إن ارتباط الإنسان بالذكريات في شقها الذي يطلق في نفسه مشاعر إيجابية هو أحد أهم العناصر المحققة للتوازن النفسي لدى الإنسان، وإن هذا الإنسان لهو بحاجة دائمة إلى ذلك التوازن النفسي في جميع حالاته، وفي كل الأماكن التي يتفاعل فيها مع الناس، فالموظف ليس مطلوباً فقط أن يكون سعيداً في أسرته الصغيرة في البيت، فهو في نهاية المطاف فرد ينتمي إلى المكون الجمعي الذي هو المجتمع، وهو يتعامل مع من هم خارج البيت بقدر لا يمكن اعتباره محدوداً أو صغيراً مقارنةً بتعامله مع أسرته وعائلته وأصحابه، لذا فالحرص على سلامته النفسية هو مطلب بالغ العقلانية لمصلحة المؤسسة في نهاية المطاف. وهناك فرق شاسع بين أن تمتلك المؤسسة ولاءً عقلياً من قبل موظفيها، وبين أن تمتلك ولاءً عاطفياً من قبل أولئك الموظفين، فالفرق بين الولاءين هو تماماً مثل الفرق بين حب الموظف لأسرته وعدم شعوره لا بالحب ولا بالكره تجاه المجتمع، ذلك أنه من الطبيعي أن تنعدم العاطفة في التعامل مع الغرباء، ويسود العقل لصناعة توازن في السلوك، ولكن ماذا لو كان للمؤسسة موقع جيد في قلب الموظف؟ وبطبيعة الحال، لا يمكن للموظف الانتقال إلى حالة الارتباط العاطفي بمؤسسته بين ليلةٍ وضحاها، ولكن لا يزال على المؤسسة الدور الأكبر والأساسي لصناعة مثل هذا الانتماء، وهذا لا يمكن إلا من خلال التأسيس لجو عمل بعيد تماماً عن إطار النظرة إلى الموظف على أنه أجير جاء إلى المؤسسة لينهبها كما هو حال بعض المديرين، أو في أفضل الحالات لأنه يستفيد ويأخذ معاشاً وبالتالي لا مسؤولية أخرى تتحملها المؤسسة تجاهه. هذا بكل تأكيد ليس منهج المؤسسة التي تريد أن تصنع ولاءً عاطفياً من موظفيها تجاهها. وإن أرادت المؤسسة أن تصنع صورة تحقق من خلالها استدامة ولاء الموظفين، فعليها أن تعتبر هذا الموظف أمانة عندها من الناحية العاطفية، وتعتبره مسؤولاً ومحاسباً من الناحية التشغيلية، وبهذا يتحقق التوازن في العلاقة، فلا يرى الموظف أنه مدلل إلى درجة إهمال العمل، أو التجرؤ على نظام المؤسسة، ولا هو أيضاً يرى في المؤسسة سجناً يتمنى الخلاص منه في أقرب وقت. هذا المفهوم يمكن استدعاؤه بسهولة من خلال فهم الأدوات التي يمكن للمؤسسة استخدامها لتحقيق هذه المعادلة ذات القيمة العالية، وليس أفضل في هذه الحالة من أن تقوم المؤسسة باستدعاء أداة أكثر أهمية من استدعائها أداة صناعة الذكريات المشتركة بين الشركة والموظف، وهذا يمارس اليوم مثلاً عبر الاحتفال بمولد موظف من الموظفين، أو مجاملة موظف في حضور مراسم زواجه، وما إلى ذلك، ولكن يمكن للمؤسسة أيضاً أن ترفع من حجم هذا النمط من صناعة الحياة والذكريات المشتركة بينها وبين الموظفين عبر تفعيل الكثير من الأفكار الأخرى القادرة على جعل مكان العمل أكثر أسَريّةً وانتماءً. *دكتوراة علم نفس إداري