في يناير المقبل سوف يتوجه الناخبون في تايوان إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيسهم الجديد، وهذه الانتخابات متوقعة وتأتي في أعقاب قيادة طوال ثمانية أعوام من جانب الرئيسة تساي إنج ون، التي سوف تترك منصبها لانتهاء فترة الرئاسة المسموح بها، والأمر المهم هو أن الناخبين سوف يختارون رئيسا جديدا، في مرحلة تشهد توترا شديدا عبر المضيق. وخلال الشهر الماضي، شاركت الطائرات والسفن الصينية في مناورات غير مأمونة، وضعتها في نطاق قريب خطير من العسكريين الأمريكيين، وكما توضح هذه الأحداث، ليس هناك مكان آخر في العالم أكثر من مضيق تايوان، يحمل في طياته خطرا أكبر لاندلاع صراع. ويقول الباحثان الأمريكيان ريان هاس، الزميل البارز بمعهد بروكينجز، وجود بلانشيت، الذي يشغل كرسي "فريمان" للدراسات الصينية في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأمريكي، في تقرير نشره المركز، إنه في ضوء هذه المخاطر، ربما من الطبيعي أن يصبح المسؤولون والمشرعون الأمريكيون أكثر اهتماما بمستقبل تايوان، وعلى سبيل المثال، وصف النائب الجمهوري مايكل ماكول، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، أحد المرشحين البارزين للرئاسة في تايوان من الحزب القومي الصيني كومنتاج بأنه "المرشح الدمية" التابع لبكين. ويقول الباحثان، إن النائب الديمقراطي سيث مولتون، وهو ضابط سابق في سلاح مشاة البحرية، ويعتبر حاليا نجما ساطعا في دوائر السياسة الخارجية بالحزب الديمقراطي، يرى أنه لإمكانية ردع الصين، يتعين على الولاياتالمتحدة التهديد بنسف مصنع تايوان الرائد لإنتاج أشباه الموصلات، إذا ما قامت الصين بغزو تايوان، ويعتبر هذه فكرة رائعة. ويضيف الباحثان، أنه على الرغم من احتمال أن يكون الدافع وراء هذه التصريحات هو قلق صادق بالنسبة للمصالح الأمريكية، فإنها لا تضعف فقط تأثير الولاياتالمتحدة طويل المدى على الأحداث في مضيق تايوان، إنما تقوض أيضا العملية الديمقراطية في تايوان في وقت ستكون فيه نزاهتها الأمر الأكثر أهمية. فبادئ ذي بدء، تتمثل الأولوية الأساسية للولايات المتحدة في أن تكون تايوان دولة مرنة وواثقة وفي حالة جيدة، وأحد الركائز الجوهرية لذلك عمليتها الديمقراطية المتسقة التي يمكن التنبؤ بها، والتي تعتمد على نظام تنافس متعدد الأحزاب، والأهم من ذلك، التعبير الحر عن إرادة الناخبين في تايوان. ونظرا لأن القادة الأمريكيين يدعمون تماما ديمقراطية تايوان، فإنه يتعين عليهم التصرف بوعي، بأهمية تعزيز نظام التعددية الحزبية التنافسية في تايوان ككل و النأي عن الميل لتفضيل حزب أو مرشح معين. وكما يتوقع الناخبون والمرشحون الأمريكيون ابتعاد القادة الأجانب عن سياستهم الداخلية، يتعين على المسؤولين الأمريكيين الابتعاد عن العملية الديمقراطية في تايوان. من ناحية أخرى، ليس هناك دليل دامغ على أن حزب كومنتاج "دمية بكين" ورغم أنه حقيقي أن أعضاء من حزب كومنتاج المعارض، لا يؤيدون جهود الرئيسة التايوانية لتعزيز العلاقات مع الولاياتالمتحدة، فإن مثل هذه الآراء عادية في أي انتخابات تنافسية، وفي أي مجتمع تعددي مفتوح، فالعالم مليء بأحزاب المعارضة، التي تسعى لتحقيق مكاسب انتخابية بالاعتراض على قرارات الحزب الذي يتواجد في السلطة. ويقول بلانشيت وهاس: إنه من المرجح أن تكون هناك مناقشات حامية بين مرشحي الرئاسة في الشهور المقبلة حول أفضل السبل لحماية أمن تايوان، إذ سيدعو البعض لمزيد من تعزيز العلاقات مع الولاياتالمتحدة، وسيدعو البعض الآخر إلى خفض حدة التوترات مع الصين، وسوف توفر الانتخابات فرصة للناخبين في تايوان خاصة بهم لممارستها، وباحترام حرية الشعب التايواني لاختيار قادته، يمكن للولايات المتحدة أن تحقق تناقضا مع الصين التي تعتبر جهودها للتأثير على نتائج الانتخابات في تايوان أمرا مؤكدا. وعلى الرغم من أن نتيجة الانتخابات سوف تكون مهمة في تحديد اتجاه تايوان خلال السنوات الأربع المقبلة، يتعين عدم التعامل معها على أنها أمر وجودي، فتايوان لن تتبنى التوحيد مع الصين إذا فاز حزب كومنتاج كما أن الصين لن تغزو على الفور تايوان إذا فاز الحزب التقدمي الديمقراطي الموجود حاليا في السلطة، فقد أظهر الناخبون التايوانيون أنهم معتدلون في تفضيلاتهم بالنسبة لقضايا عبر المضيق، وسوف تسفر تفضيلاتهم عن مطلب باتفاق القادة الطموحين فيما بينهم، ووفقا لأحدث بيانات استطلاع الرأي المتاحة من مركز دراسة الانتخابات التابع لجامعة تشينجتشي الوطنية، تحبذ الغالبية العظمى من الناخبين بعض التغيرات في الوضع الراهن، والأحزاب السياسية في تايوان مضطرة للابحار في هذا الواقع، مما يعد كابحا للأصوات الأكثر تطرفا داخل النظام السياسي. وأخيرا، وبغض النظر عن مجريات انتخابات الرئاسة في تايوان سوف تحتاج واشنطن إلى التعاون عن قرب مع القيادة الجديدة المنتخبة، وهذه الحتمية تتطلب استمرار التزام المسؤولين وصناع السياسة الأمريكيين بالحياد التام في مواقفهم وتصريحاتهم بشأن الانتخابات المقبلة، وقد أوضحت إدارة بايدن تماما إصرارها على عدم إعلان أي تفضيل لها في العملية الانتخابية في تايوان، ويتعين تبني القيادات المنتخبة الأخرى لنهج مماثل. وفي ظل سعي بكين لعزل تايوان، يتعين على صناع السياسة الأمريكيين تعزيز ثقة الجزيرة، وعزمها، ومرونتها. ومن ثم، فإن أفضل استراتيجية بالنسبة لمن يريدون تعزيز المصالح الأمريكية في المنطقة، ودعم تايوان هي تشجيع الجهود السلمية للديمقراطية النابضة بالحياة لانتقال السلطة السياسية من خلال تصويت شعبي.