عنوان الرواية «حفلة أوهام مفتوحة» للكاتب هوشنك أوسي، مستوحى من الواقع الذي يعيشه الأبرياء، حيث الدجل والخداع لذاك الإنسان الواهم بالحب والخير والسلام والأمان، وفي الحقيقة هي مسرح للصراعات اللاإنسانية، صراع الموت من أجل البقاء. رواية وليدة وحصيلة تلاقح الخيال والواقع، غُرست شخصيات روائية وهمية في أحداث تاريخية حقيقية، كي تلقي بظلال الشك على بعض تفاصيلها، رواية ثرية بالحكايا والقصص والشخصيات، وتعدد الهويّات والثقافات، نظراً لتنوع المساحة الجغرافية والزمنية التي تتحرك فيها أحداث الرواية، مع تخريجات فلسفية متنوعة وجريئة عن الحياة والموت وقضايا وموضوعات تعبر عن الحب، الأمل، اليأس، الثورات، الغربة والاغتراب، الخيانات، الانكسارات والخيبات. وتبدأ أحداثها بحادثة اختفاء كاتب وشاعر بلجيكي معروف يدعى «يان دو سخيبر» من منزله الكائن بمدينة أوستند البلجيكية في ظروف غامضة، وبعد أن فشل المحقق «إيريك فان مارتن» في كشف الحقيقة معتمدًا على كل أساليب التحقيق الجنائي في عملية البحث والتحري، أتته فكرة اللجوء إلى قراءة روايات الكاتب المفقود، وهي ثلاث؛ روايتان مطبوعتان وثالثة على شكل مخطوط. ثم قرأ دواوينه الشعرية، وعرض بعض لوحاته الأخيرة على ناقد تشكيلي، كل ذلك بهدف محاولة توظيف الأدب والفن في التحقيق الجنائي، والتقاط ولو خيط يوصله إلى سبب اختفاء هذا الكاتب؟ استخدم الكاتب تلك الروايات بأسلوب جديد في النص، فقام بسرد الروايات الثلاث منفصلة بحيث يمكن قراءة كل رواية بشكل مستقل عن الآخر، الأولى بعنوان «أيها الحمقى... إلى أين أنتم ذاهبون»، والثانية «موتى يعيشون أكثر منّا»، والثالثة «قطار أعمى لا يخلف مواعيده»، لكن تتشابك في نسيج روائي متكامل منوع ومنسجم، مُشكلة بنية سردية ذات قيمة يتضح من خلالها مواقف ورؤى الكاتب المتحررة. لغة الرواية بسيطة وجميلة مليئة بالصور والغوص في النفس الإنسانية والعلاقات وما تجتاحها من انفصامات إنسانية، «بصمات الأصابع ليست متشابهة، كذلك بصمات الأرواح والقلوب. هناك أناس نمّر بهم، بصماتهم خفيفة تزول بسرعة، وهناك بشرٌ نصادفهم، تكون بصماتهم قويّة وعميقة على أرواحنا وأفكارنا، وأجسادنا أيضًا». كما أبدع الكاتب في وصف مزاج الطقس؛ «نهار غائم، باعث على السأم والكآبة، بسماء محتقنه مريضةٍ، موشكة على الانهدام والسقوط على رؤوس السائرين تحتها، كمن يكابد شيئاً ولا يفصح عنه، فيفشل في مواراته أيضاً. سماءٌ تريد أن تبكي كامرأة حُبلى تشعر بالغثيان الشديد ولكنها عاجزة عن التقيؤ وتفريغ ما في جوفها كي ترتاح»، وتبرز شاعرية الكاتب في كثير من المواقف وخاصة في شخصية الشاعر «أوميد سرختي» الذي صاغ حالات الندم والانكسار فيها، «ما من شاعر من دون ندم، وما من ندم بدون شاعر. الشعر في أحد أوجهه ندم، والندم في أحد تعبيراته شعر. الندم ثلاث، بصيرة آثرت الصمت، في وقت استوجب النطق، بصيرة آثرت النطق، وفي وقت استوجب الصمت. وبصيرة عاجزة عن الاثنين معاً. وأحياناً الشعر هو أحد ألسنة حالة الندم». في بعض فصول الرواية نتلمس جزءاً من تاريخ حزب ساهم لتحرير الكُرد، حيث يسلط هوشنك الضوء بشكلٍ نقدي حاد على نضال حزب العمال الكُردستاني في الجبال، ويعتبره مسلخاً إيديولوجياً، والمناضل الحقيقي فيه الذي يعبد الحزب والقائد، ويتحدث بجرأة عن دكتاتورية الحزب وقائده، ويكشف بعضاً من جرائمه وعنصريته، رغم تعاطفه مع نضال الشعب الكُردي بكل أجزائه «التركي والعراقي والسوري»، «اكتشفت أنه إذا حملت معولاً وهويت به على أرض معسكر الحزب، ستخرج لي عظام شخص تم قتله أو تصفيته على أنه خائن أو عميل للنظام التركي أو مرتد عن الحزب والثورة». وقد أهدى الكاتب هذه الرواية إلى الطفل الكُردي السوري (آلان عبدالله شنو) الذي غرق في بحر إيجا، كما أهداها أيضاً إلى ضحايا الأوهام... وضحايا الحقائق، «هكذا هي الحروب، إذ تبذل الحضارة مئات وآلاف السنين من الجهد في تطوير البشر وأنماط تفكيرهم ومعيشتهم، وتتكفل الحروب وتجارها بإعادة البشر والبشرية إلى الطور البهيمي الوحشي، في بضع سنوات».