لكل إنجاز في حياتنا نهاية بنيت على منطلقات مختلفة، تبدأ من نقطة بداية، وتنتهي بنقطة توقف جزئية أو كلية، نبدأ كلنا بدافع، وننتهي إما بنجاح، أو خيبة قد تكون قاتلة أو موقظة، وبعد المرور على مراحل شتى من التحديات، والعقبات، والجماليات والإيجابيات؛ يفترق الطريق في قيمة الأثر بين لذة ماحية للآلام بسبب طعم النجاح، ولذة الفرح بالتكاسل في فترة طريق الوصول إلى النجاح؛ والتي كانت سبباً لوقوع الفشل وأثر الألم الدائم، فشتان بينهما. وهنا يأتي تحديد المصير الذاتي للشخص إما أن يقوم ويقف من جديد بقوة وصحوة ضمير ليشرع في تحديد خطة متكاملة خالية من العبث والفتور ومساحة الراحة الواسعة، وهذه سمات الناجحين: التفاؤل، وعدم اليأس، والقدرة على تلافي الأخطاء، والخروج من الأزمات، وتحويل الخسائر إلى أرباح، وإما أن يكون تحت خيار الاستسلام للفشل والنظر إلى مسيرة الناجحين ومكانتهم الفردية والمجتمعية فيزداد ألماً نفسياً، وضعفاً شخصياً، وسلوكا معيباً، ويبدأ هذا الألم ينتقل إلى عقله ويتشربه جسده حتى يتفشى فيه من كل الأدواء المحسوسة، وغير المحسوسة من ردة الأفعال السلوكية المشينة في حياته مع نفسه، وغيره من الأفراد مع كونه في ذاته مرضاً وجودياً في المجتمع، وتكمل اللائمة وتزداد بعد أن ينضم إلى قافلة نظرائه ليكونوا له داعماً نفسياً اعتبارياً وهنا تكبر دائرة المشكلة حين يشكلون قوة هشة ولا أثر لها ليكونوا عبئاً على عائلتهم ومجتمعهم. ومن هنا ننطلق لتحديد أهم المنطلقات النافذة والشاقة في حياة الفرد التي تقوده إلى النجاح والتميز والتفرد: لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتالُ فمرحلة الوصول والتميز تحتاج إقداماً وجهاداً، والفطن لا يخلو من عقلٍ يفكر ويخطط، ونظرٍ ينظم مسيرته، وجسدٍ على العمل يصبر ويجاهد، وعقل للعمل الصحيح يصوب أول هذه المنطلقات التخطيط؛ فمن لم يخطط لحياته خططها له الآخرون، وعاش في خريطة لا يدرك تفاصيلها، ولا أهميتها وعاش في تخبط التغيير بين الاستمرارية وبين تغيير خريطة حياته حتى ينتهي به المطاف عند نقطة توقف لا يمكن استدراك ما قبلها؛ لذا من أهم خطوات الانطلاق في خارطة الحياة تخطيط الذات بالإجابة عن التساؤلات التالية: ماذا أريد أن أكون؟ ولما أريد أن أكون؟ وكيف أريد أن أكون؟ ومتى أريد أن أكون؟ وأين أريد أن أكون؟ فإذا أجاد الإجابة عن هذه التساؤلات حقق جزءاً من هدف وجوده في هذه الحياة، ومن لم تكن له بدايات محرقة بالتخطيط والتفكير الجيد لم تكن له نهايات مشرقة بتحقيق نجاح باهر؛ فيجب أن نبدأ بالتخطيط لأي عمل فكيف بمسيرة حياتنا الدنيوية التي تقودنا إلى حياتنا الأبدية، وتخطيط حياتنا هي بداية المبادرة المهمة لنجاحنا. التنظيم بعد وضع الخطط الهادفة الملازمة للنية الصادقة يتبع ذلك العمل على مرحلتين مرحلة تنظيم استراتيجيات تطبيق خريطة الذات والحياة، من خلال تقسيم الأعمال وتنظيم الوقت ما بين تمثيل مجموعة من الأدوار يقوم به الفرد في عدة جوانب الحياة لنحقق جودة تكاملية للشخصية الإنسانية فلا يكون جسداً بلا روح ولا العكس فيجب الاهتمام بالجانب الديني والصحي والعلمي والثقافي والعلاقات الاجتماعية والعمل، ولكل منها أدوار يجب تعلمها والانضباط تحت مظلتها لتحقيق تنظيم الذات وتنظيم الحياة وتنظيم الآخرين معنا؛ لأن من لا نظام له لا احترام له، فهو متاح لا حدود له ولا إطار. التنفيذ: قال صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمال) فمن خطط ونظم من غير تنفيذ، لا قيمة لتخطيطه وتنظيمه ومن أجمل ما كتب في تحقيق الهدف عن طريق العمل ما قاله عمر بن عبد العزيز: (إن لي نفساً تواقة، تاقت للإمارة فتوليتها، ثم تاقت إلى الخلافة فتوليتها، وهي الآن تتوق للجنة) فجميل أن نجعل مخططاتنا تحت مشاعرنا التواقة لننجزه بحب بعيداً عن الكسل والخذلان والتواكل كما عبر عن ذلك بالنقص والخلل في البيت: ولم أرَ في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمامِ فمن أروع الإنجازات تحقيق الأهداف وتمامها. ولا يكون شحذ الهمة إلا عند الوقوف على نماذج وصول الناجحين لنجاحهم بعد مكابدة وعناء مع انتفاء الحيثيات والمعطيات، ووجود المعوقات لتعطينا طاقة لا مفتر لها إلا الموت كما عبر عن ذلك: لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى فما انقادت الآمال إلا لصابرِ وفي الختام: أضع منطلق القياس في خاتمة مقالي؛ وهو تثمين النجاح والفرح بقيمته ولذة نتاجه، وهنا يدخل في هذ المنطلق القريب، والبعيد ويحمل أثره صاحب النجاح الأول الذي أجد استخدام ريشة حمل ورسم طريق فلاحه وتنظيم مسيرته وقطع طريقها ليكون في مكانه الذي اختاره بعناية؛ فما أجمل الناجح يرضى عنه ربه لإيمانه برسالته، وأهله لتخليد طيب ذكرهم، والناس بعلو خلقه، والمجتمع بأثر نفعه. 1