لانتقال الفكرة من العقل المفكر، إلى ميدان التطبيق، تمر بمرحلة مهمة وأساسية، لا تقل أهمية عن مراحل التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة، وهي تعد المربع الإداري الذهبي، وتمثل حجر الزاوية لكل طريق نريد أن نسلكه، إنها مرحلة النية، التي تمثل حالة شعورية كامنة، مهمة للفرد في مبتغاه ووجهته في الحياة. وأحياناً تتحول إلى حالة جمعية، لأسرة أو مجتمع أو دولة، لها نية مشتركة. ومن هنا يكون أمام الفرد أو الجماعة، الكثير من الطرق والأوعية لتختار منها، فالبعض تكون له نية شخصية بحتة، والبعض تكون نيته الشخصية متعدية لنفع الغير، والآخر يكون متجرداً في نيته لا يريد من ذلك جزاء ولا شكورا. وهنا نتطرق لفكرة «صناعة النية» لأنها مهمة جداً لأي عمل، سواء كان تعبديا بحتا، أو دنيويا، من أعمالنا الحياتية اليومية. وبعض العامة يعتقدون أن النية ضرورية في القضايا التعبدية فقط، وهذا خطأ شائع، فالنية يجب أن تكون مرادفة لأي مشروع مهما قل أو صغر. وسوف نتطرق لأسرار النية التي تجعلها تتبوأ هذه المكانة العالية في فضاء حياتنا اليومي، فهي قوة مهمة لتحقيق النجاح، وترجمة الخطط والأهداف والرغبات إلى أعمال ملموسة وإنجازات محققة. وفي تعريفها نقول: النية فكرة تُعقد داخل الإنسان، وتكون أساساً لعمل يجهز له. وهي أساس كل بناء مهما صغر أو كبر، وهي وعاء جامع لعالم الأفكار، الذي هو أساس عالم المشاريع والأعمال، التي ننطلق لها كل يوم، فلا عمل يقوم إلا على فكرة، ولا فكرة تقوم إلا على نية، ومن هنا نستطيع أن ننظم عقولنا أولاً، وأعمالنا ثانياً، ونحصد الجودة في الأعمال والمخرجات والمنتجات، ونبني إنجازاتنا على أساس ثابت وقوي، يُعتمد عليه بعد توفيق الله. وللنية أسرار كثيرة، كتب عنها المتقدمون والمتأخرون، فبعضهم عرج على أهميتها للبركة في المال والوقت والولد، وهذا مشاهد وملموس، وبعضهم بحث أثرها على الراحة النفسية والاستقرار الروحي، والطمأنينة الحياتية، وأثرها الفاعل في وفاق الأسرة، ونجاح التجارة، وتوفيق الجهود، وتسخير الناس بعضهم لبعض، وتجاوز التحديات والصعوبات، بل وأكثر من ذلك في تهيئة الفرص، وتمكين الإنسان مما يطمح إليه ويتمنى. وعرج آخرون على الموضوع من جوانب إدارية، وكيف أن النية تتحول إلى منظومة قيم حاكمة للمنظمات والمؤسسات، وربما الدول، وتسهم في دفع عجلة العمل والإنجاز إلى أفضل المواقع، وأعلى المنازل، حيث تكون فكرة مركزية حاكمة، تجتمع عليها عقول الناس وصناع القرار بلا استثناء. كما أن الكثير من الخبراء والباحثين رصدوا كماً هائلاً من قصص النجاح والفلاح والتميز الإنساني، في مجالات كثيرة، كان من أهم مقوماتها وأسرارها، وجود نية واضحة أولاً، وصالحة ثانياً، لا تغيب أبداً، مهما كانت الظروف والمتغيرات والإغراءات. كما كتب كثير من الباحثين والعلماء حول أهمية النية الطيبة في تسهيل الكثير من الأشياء، وتجاوز الكثير من العقبات، فتجد الكثير ممن رزقوا بسطة في العلم أو المال أو السلطان، أو حب الناس، أو السعادة والبهجة، كانوا أصحاب نوايا إيجابية وصالحة، وكل ذلك ولا شك ساهم في نجاحهم على المستوى الشخصي والتنظيمي، وهذا يؤكد أن للنية طاقة مؤثرة في محيطنا العام واليومي. وقد تكون هذه الطاقة سلبية أو إيجابية، وهذا ما يجعلنا نطرح بقوة أهمية صناعة النية، وانعقادها، ونحن على أبواب كل عمل أو مشروع، والتأكد من أننا لا نحمل نوايا سيئة، لأننا سنكون أول المكتوين بتك النار، إن طال الزمن أو قصر، فعالم النواميس الكونية الذي وضعه الخالق عز في علاه، محكم، فمن حرص على صيانة الداخل، ويتفقد نواياه لحمايتها من أي خلل أو زلل أو اختراق، رزق من الخير فوق ما يتمنى، والعكس صحيح! وقد قال القدماء: نيتك مطيتك، أي هي وسيلة انتقالك، فإن كانت خيرا، فإلى خير، وإن كانت شرا فإلى شر. فعندما تنهض من فراشك، قاصداً ميدان الحياة، اصنع نيتك، بأن يكون اليوم أجمل أيامك وأروعها بلا استثناء، وانطلق في ملكوت الله متوكلاً عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» حديث قال عنه الإمام الشافعي: إنه ثلث العلم، من عمق معناه وأهمية مبناه ومغزاه.