ماذا لو رُسِم العالَم في لوحة؟ تساؤلٌ حاصرني بينما كنتُ أسيرُ بين الزحام، وأتأمّلُ ملامحَ العابرين. حسنًا، لو رُسِم العالم في لوحة مختَصرة لتفاصيل ومهن وحرف عديدة في حياتنا، وعُرِضت تلك اللوحة في إحدى المتاحف العالمية؛ وصارتْ تَستقطِب الزائرين من كلّ مكان، ما كان ليحدث أكثر مِن أنْ يرى كلّ شخص نفسه في تلك اللوحة! لن يستطيع المُزارع أن يُزيحَ نظره عن أشجار الموز واللوز، وحشائِش السّافانا، وحَبّ الحصيد. في الوقتِ الذي سيلتفِت به الكاتب بلهفة إلى الجريدة التي أهملها بعض المارّة، وتطايرت أوراقها على الرفوف، دون أنْ يكترثوا للخبرِ السّعيد. سيتفحصُّ المهندس أبعاد المباني، وأُسُس التشييد. سيراقب مُربِّي الطيور تحليق العصافير المُتناثرة، وأسراب الحمام المُتآلفة، ويُنصت بحواسه كلّها إلى أنْ يبدو له، وكأنّه سمِعَ للتو صوت التغريد! سيترك الطبيب كل مافي اللوحة ويُصوّب نظره على الشخص الذي وضعَ يده على رأسه يتأوّه من الألمِ الشّديد. سيُدقّق النحويّ بلافتات الإعلانات الموضوعة هنا وهناك؛ ليطمأنَّ قلبه أنّ المبتدأ مبتدأ، والخبر خبر، بيقينٍ وتوكيد. سيهوي قلب مستشار السعادة إلى الجزء المُبهِج من اللوحة، سينجذِب إليه، ومنه سيستزيد! سيُمعِن المُحاسِب نظره في مُختلف الشركات والمؤسسات، ويُفكِّر بكيفية الوصول إلى قرارٍ اقتصادي يخدُم المستُفيد. سينظرُ الرسام إلى اللوحة من كلّ الجوانب ليس لاكتراثه لكلّ الأحداث؛ بلْ محاكاة لفنون الرسم، وتاريخه المجيد. سيخرجُ الجميعُ من المتحفِ هائمًا بما رأى، حالمًا بما سعى، وسنخرجُ من المقال مدركين تمامًا أنّ في هذه الحياةِ الواسعة كلّ منّا يصبُّ تركيزه على مايخصه ويشعلُ فؤاده شغفًا، أنتَ حيثُ تركّز عليه بحواسك وفِكرك، أنتَ تعيشُ في دائرتكَ وتسبَحُ في فلكَك، أنتَ دائمًا حيث تُريد.