لا يمكن لمؤرخ ولا لمحلل عسكري في العصر الحديث أن يتجاوز تلك الليلة، والحلم يتقافز مبتهجاً مع وثبات الرجال بين المزارع وفوق الجدران نحو قصر المربّع، يراقبهم التاريخُ مدهوشاً من هذه العزيمة والطموح ليشق الفجر ليلاً دامساً طال، ويعلن الصباح أجمل بشارة لأعظم فتح في القرون الحديثة سجلته (الرياض) حين أعلن البشير: (الملك لله ثم لعبدالعزيز). لتبدأ قصة رائعة للمجد والنهضة والوحدة ولم الشمل على يد صقر الجزيرة، والوفاء والولاء من رجال كانوا حوله ومعه تلك الليلة وذاك الصباح وظلوا كذلك طوال حياتهم. وبعد أن كانت أرضا تمزّقها الصراعات، ويسود فيها الخوف والجوع والجهل، انطلقت مسيرة التوحيد وتحول أعداء الأمس إلى جنود مخلصين تحت راية واحدة وعمّ الأمن والخير وانتشر العلم، وبدأت مرحلة بناء الدولة وتطوير مؤسساتها، فأمر الملك الموحّد بإنشاء مكتب للجهاد يضم هولاء الرجال المجاهدين ليكون النواة الأولى للحرس الوطني. وقد صدر للأستاذ خالد المرعيد السبيعي كتاب حول ملحمة فتح الرياض من عدة سنوات تحدث حوله من المنظور العسكري، وما مثلته من منعطف مهم في تاريخ الجزيرة العربية موثقاً بطولة الملك عبدالعزيز ورجاله واستراتيجيته العسكرية وفكره وموهبته في اتخاذ القرار، ومن هولاء الرجال الذين كانوا معه اثنان من أجداد المرعيد هما الفارس ماجد بن مرعيد والفارس عبدالله بن مرعيد شاركا الملك المؤسس في تحقيق طموحه مع الأربعين الذين دخلوا الرياض في الخامس من شوال عام 1319ه. لتسجّل بدايات العهد السعودي بطولات وتجارب وأسماء رجال يتذكر سيرهم وأفعالهم التاريخ ويحللها المؤرخون موثقين ما فيها من دهاء وشجاعة وفكر استراتيجي ومهارة وسمات شخصية. ولأن الزمن لا يتوقف والتاريخ مزهو بالتوثيق؛ يضمّن الحفيد اللواء ماجد المرعيد في كتابه الأخير الصادر من دار جداول في بيروت (مسيرة حياة) قصة انضمامه للحرس الوطني ومراحل التطوير من خلال سرده لأحداث 35 عاماً قضاها جندياً مخلصاً لوطنه وقيادته. بادئاً منذ اليوم الذي انتقلت فيه أسرته من العارض في قلب نجد إلى الشمال في مهمة وطنية، قدر له أن يكون ميلاده معها، على ثرى الحدود الشمالية، ثم كبر هذا الشاب ليتعلم ويتقدم ويتخرج ضابطاً في الحرس الوطني. ومن خلال هذه (المسيرة) يصف المرعيد تأثير المنعطف الأجمل والانطلاقة الاستراتيجية الحديثة عندما تولى الأمير عبدالله بن عبدالعزيز -آنذاك- رئاسة الحرس الوطني، وحوّل أفواج المتطوعين والمجاهدين إلى قوة عسكرية منظمة متطورة بكتائب الأسلحة المشتركة وألوية المشاة الآلية، ووحدات الأمن الخاصة، ووحدات الإسناد كالهندسة والإمداد والتموين والاتصالات ووحدات الإسناد الطبي. وهي مرحلة شهدت إنشاء كلية الملك خالد العسكرية. وكانت أولى مهمات الضابط الشاب المشاركة في ردع المظاهرات الإيرانية في مكةالمكرمة عام 1984م، ثم في المهمة نفسها والمدينة المقدسة نفسها عام 1987م، ومن (الأحساء) إلى الولاياتالمتحدة الأميركية واصفاً رحلة (الابتعاث) لدراسة اللغة، ومنها إلى جدة، حيث تستمر قصص التعلم والتحدي ليشارك ضمن القوات السعودية في حرب الخليج عام 1990م ومع أبطال معركة الخفجي 1991م. عاد بعدها ليروي قصة الانتقال إلى الرياض والابتعاث مرة ثالثة إلى أميركا والترشيح لدراسة دورة الأركان بها. ويوثّق المرعيد في كتابه المليء بالتجارب والمواقف والقصص كيف عمل بوحدات اللاف، وقصته مع التوقف عن التدخين والدراسة في كلية الملك فهد الأمنية عام 2001م، ثم الانتقال إلى مدارس الحرس الوطني العسكرية 2002م، واختياره من قبل الملك سلمان عام 2005م للعمل في لواء الأمن الخاص، وتأليف كتابه عن فتح الرياض بتوجيه من الملك سلمان. وقد شارك المرعيد الذي تمت ترقيته لرتبة لواء ركن عام 2011م في مهمة لواء الحرس الوطني في البحرين قبل أن يصدر قرار التقاعد عام 2012م. وسلط الكاتبُ الضوء في هذا الكتاب الجميل على نهضة تنموية وحضارية عايشها خلال صباه مع افتتاح مشروع التابلاين عند الحدود الشمالية، ووصف منطقة صحراء الحماد الساحرة الواقعة في أقصى الشمال مدرجاً مشاهداته عن الحياة في عرعر وحفر الباطن ورحلات الصيد الممتعة في الصحارى والوديان الشمالية. كما لخّص في كثير من أبواب الكتاب تجاربه العسكرية في العمل وفي القيادة وتأثر حياته وسلوكه بالعسكرية والتنظيم والتعليم ومحاولة التعرف على ثقافة الآخر والاستفادة من كل جديد ومتطور. ولم ينسَ اللواء المرعيد أن يتحدث بزهو عن علاقته بالملك سلمان، وتأثير هذه العلاقة واللقاءات المتكررة على شخصيته وحماسه نحو تسجيل وتوثيق تجاربه خلال 35 عاماً، كعسكريٍ سعودي مخلص تجري البطولةُ والشجاعة في دمه كغيره من أبطال الحرس الوطني وكافة فروع القوات المسلحة، الذين شاركوا بكل إخلاص في كل الحروب التي خاضتها القوات المسلحة العسكرية السعودية، ليُعيد الأحفادُ قصص الأمجاد وبطولات الأجداد. وستظل ميادين الشرف والتضحية زاخرةً بأروع الحكايات تنتظر من يسردها وينقل للأجيال معنى صمود الأبطال وتضحيات الرجال وشجاعتهم كقيم لا يمكن أن تتذكر (الحرس الوطني) دون أن تتذكرها، وتشعر بالزهو والفخر كسعودي أصيل يعتز بتاريخ هذه الدولة المباركة، منذ يوم فتح الرياض وحتى يومنا هذا؛ الذي نعيش فيه أجمل مراحل التغيير والتطوير والعز والخير الوفير. إبراهيم الشمراني