أبدع الله -جل شأنه- في خلق جسم الإنسان، فأنشأه، وكوّنه (للعمل وليس للكسل). فتكوين جسم الإنسان مبني ومخلوق لكي يتحرك ولا يتوقف؛ ولو بأقل جهد، ولعل فكرة عمل قلب الإنسان بشكل مستمر وطيلة حياته دون أن يتوقف إلا عند وفاته لطالما كانت محل التفكر والتأمل والدراسة لكثير من العلماء، ومؤشرا مهما لفهم طبيعة خلق الإنسان وتكوينه كما خلقه الخالق العظيم، والذي يوحي أيضا بالاستمرار في الحركة والنشاط والعمل الدائم، وبغض النظر عن طبيعة هذا النشاط، فعند الصغر هناك نشاط وعمل خاص به، وعند سن الشباب كذلك وعندما يكبر الإنسان ويسن له نشاطه وعمله الذي يناسبه وهكذا إلى نهاية العمر. كنت أتحدث مع أحد الشباب حديثي التخرج من إحدى الجامعات الأجنبية فقال فجأة، يجب عليكم أنتم جميعا أيها الرجال وأيضا النساء أن لا تتوقفوا عن ممارسة الرياضة أبدا، وأكمل قائلا كنت أرى أثناء دراستي في الخارج أن الناس هناك لا يتوقفون عن ممارسة الرياضة بشتى أنواعها وأشكالها وخصوصا كبار السن، وأشاهد من بلغ التسعين من عمره لا يزال يمارس الرياضة ويحرص عليها. بدأت أفكر في هذا الحديث وما دار فيه وأسأل نفسي هذا السؤال: هل هو فعلا أن من بلغ من العمر الخمسين أو الستين أو حتى التسعين ولا يزال يتمتع باللياقة البدنية والنشاط هو نتيجة استمراره ممارسة الرياضة، منذ أن كان صغيرا أو شابا؟ وهل سن العمر هو مجرد رقم ويجب ألا نلتفت إليه كثيرا ويؤثر فينا وأن نتجاهله ونستمر بالنشاط والحركة والعمل. هناك دراسة طبية تؤكد أنه عند بلوغ الإنسان سنا متقدما من العمر فإن المخ يظل محتفظا بنشاطه وقوته ولياقته إلى سن الشيخوخة ولكن بشرط أن يستمر الإنسان في نشاطه وتفاعله في الحياة، أما إذا انطوى وابتعد واعتزل الحياة وتوقف عن التفاعل والالتصاق والالتحام بها وأصبح ليس له دور ولا نشاط في الحياة فإن شيخوخة المخ تهاجمه ويبدأ المخ بشكل تدريجي ينكمش ويضعف إذا لم يتدارك الإنسان وضعه ويبدأ في تنشيط المخ مرة أخرى، وأثبتت الدراسة أن شخصية الإنسان تنمو وتتطور منذ ولادته وحتى مماته وهو في سن متقدمة، ونستنتج من هذه الدراسة أن جسم الإنسان متكامل ومرتبط كل عضو بالآخر ويتأثر به إذا حصل فيه أي تغيير للأحسن أو الأسوأ، وأنه بحاجة ملحة للحركة المستمرة والنشاط البدني والعقلي الدائم. أنا أتفق مع من يقول بأن العمر هو مجرد رقم، لأنه باستمرارك بالنشاط الحيوي البدني والعقلي سوف ينعكس بالتاكيد ذلك عليك مباشرة وسوف تجد القوة في البدن والنشاط الملحوظ المستمر، وكذلك استمرار وديمومة قدراتك العقلية وقوتها، فجسم الإنسان لا يتوقف عند سن معين عن النشاط إلا إذا أنت ساعدته على ذلك التوقف أو التقليل من نشاطه، لذلك من المهم جدا أن يكون الإنسان نشطا طيلة حياته حتى لو هاجمته الأمراض. رأيت بعيني رجلا مسنا يمشي في مضمار رياضي وببطء شديد لا تتجاوز خطواته مسافة كف اليد، ويفعل ذلك المجهود البسيط جدا والذي لا يذكر كي لا يتوقف عن الحركة والنشاط البدني والأكيد سوف يؤثر على نشاطه العقلي ويفيده ويعينه على تجاوز ومجابهة الكثير من الأمراض التي يعاني منها.