تحاول شركات الكهرباء في كل أنحاء العالم وبكل جهودها وإمكاناتها المتاحة أن تكون دائمًا عند حسن ظن مشتركيها وأن تحظى دائماً بأفضل توقعاتهم ورضاهم عن تعاملها معهم وخدماتها لهم باعتبارها مسؤولة عن تقديم خدمة لها حساسية كبيرة وتأثيرات عميقة في شؤون حياتهم ومتطلبات معاشهم. ولعل أكثر العوامل حساسية وأبلغها تأثيرًا لهو حدوث انقطاعات الخدمة الكهربائية وحرمان المشتركين منها وما يعقب ذلك من معاناة نفسية قاسية وتكاليف مادية جمَّة وبخاصة عندما تحدث هذه الانقطاعات في فصل الصيف اللاهب حيث ترتفع درجات الحرارة ويشتد الهجير وترتفع أحمال التكييف ويتعاظم الطلب ويتضاعف الضغط على شبكات الكهرباء. وهناك فرق كبير بين أن تحدث تلك الانقطاعات بشكل مفاجئ أو بشكل مجدول لدواعي الصيانة يتم تخطيطه والإعلان عنه مسبقًا وبوقت كافٍ، فلو حدثت تلك الانقطاعات بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار فإن ذلك بلا شك سيزيد في حجم المعاناة وتعظيم التكاليف، لأن ذلك قد لا يتيح الوقت الكافي أمام المشترك لتفادي التكاليف المحتملة وذلك عن طريق تشغيل مصادر بديلة للطاقة والحيلولة دون حدوث معاناة نفسية أو وقوع خسائر مادية. وقد تختلف درجات تلك المعاناة والخسائر أيضاً بالنسبة لطبيعة المشترك ووقت حدوث الانقطاع وطول أمده، فمثلاً لو حدث الانقطاع أوقات الصيف أو استمر الانقطاع فترات أطول سيكون هناك الكثير من المعاناة النفسية الحادة للمشترك السكني والخسائر المادية الجسيمة للمشترك التجاري والصناعي. لذلك، ففي حالات الصيانة وتعزيز القدرات وتحسين خطوط النقل والتوزيع فمن الأجدى والأحوط الإعلان من جانب الشركة عن موعد وفترات انقطاعات الخدمة الكهربائية حى يتأتَّى للمشترك سواءً كان سكنيًا أم تجاريًا أم صناعيًا أخذ وسائل الحيطة والاستعداد لمجابهة تلك الانقطاعات وتخفيف آثارها النفسية والمادية بالمبادرة بتشغيل مصادر الطاقة الاحتياطية التي لديه. ومن المعروف أن تكاليف الانقطاعات الكهربائية يقع عبؤها الأكبر على عاتق المشتركين إذ إن خسائر الشركة ذاتها قد لا تكاد تذكر بجانب معاناة مشتركيها أثناء وبعد حدوث الانقطاعات إذ لا تتعدى كونها فقدان الطاقة المباعة، وهذا في حد ذاته يبدو ضئيلاً بجانب الخسائر الفادحة والتكاليف الباهظة التي سيُمنى القطاعان التجاري والصناعي بهما، أما تلك المعاناة من جانب فئات المشتركين فتتراوح بين الضيق النفسي إلى الخسائر المادية الجسيمة. فبالنسبة للمستهلك السكني يكون هناك التبرُّم والضيق والحرج والسَّأم وعدم الراحة وهذه العوامل النفسية والمعنوية من الصعب قياسها ومعايرتها بقيم مادية محسوسة، ولكن قد تتفاوت درجة هذه المعاناة فبالنسبة للمشترك السكني فقد تكون أقل وطأة إذا حدثت الانقطاعات مثلاً في فصل الشتاء أو الربيع أو الخريف ولكن قد تكون أعنف وقعًا وأكثر قسوة وأشد وطئًا إذا حدثت في فصل الصيف حيث إن الاستهلاك السكني يكون مرتفعًا عادة في الصيف نتيجة الاستخدام المكثف والمستمر لأجهزة التكييف والتي ستتأثر بعودة الكهرباء. لذا، لا شك أن ثمة آثاراً سلبية متعددة تنجم من حدوث ظاهرة الانقطاعات الكهربائية مما يؤدي إلى إحداث خلل وإعاقة وتوقف في سير الحياة الطبيعية للمنشآت الاجتماعية والمرافق الحيوية والممتلكات الخاصة. ونظرًا ما لهذه الظاهرة من أبعادٍ اجتماعية واقتصادية وأمنية ونفسية وصحية فقد أضحى لزامًا على شركة الكهرباء السعي جديًا اعتبار هذه الظاهرة ودراستها ومناقشتها تمهيداً لغربلتها وإيجاد أفضل الحلول لها. لا يغرب عن بال شركة الكهرباء أن الطلب على الطاقة الكهربائية لدينا في المملكة يتزايد سنة بعد أخرى بسبب ظهور منشآت جديدة وأحمال جديدة ومشتركين جدد في كافة القطاعات الاستهلاكية (السكني والتجاري والصناعي والحكومي والترفيهي وكافة المرافق العامة)، كما أن الاستهلاك يتعاظم بشكل خاص في فصل الصيف بسبب الطقس الحار في معظم مناطق المملكة بوجه عام مما يجعل ذلك الاستهلاك يصل أحياناً إلى نسب غير مسبوقة وغير متوقعة بسبب تشغيل المكيفات والتي تعتبر المستهلك الأعظم لتلك الطاقة لقدراتها الكبيرة وتشغيلها المستمر. ومن المعروف أيضاً أن المكيف يستحوذ على ما نسبته 70 % من مجمل الطاقة المستهلكة مقارنة بباقي الأجهزة الكهربائية الأخرى (الإنارة، المراوح، الغسالات، الثلاجات، معدات وأجهزة كهربائية أخرى). لذلك فمن جانب شركة الكهرباء عليها أن تضع كل إمكاناتها وقدراتها على أهبة الاستعداد دائما تحسباً لارتفاع الأحمال وبخاصة خلال فصل الصيف حيث الأجواء اللاهبة المصاحبة له، ولكي نتعاون (نحن كمشتركين) مع الشركة ونساعدها في تقديم خدماتها بشكل أفضل وعلى نحوٍ مرضٍ وميسرٍ وخالٍ من الانقطاعات وحرمان المشترك من الطاقة الكهربائية فلا بد لنا أيضاً أن نراعي مستويات استهلاكنا لهذه الطاقة الحيوية الثمينة بأن لا نسرف في استخدامها ونبذر في استهلاكها إلى الحدود التي نهى الله عنها في كتابه الكريم بقوله عز من قائل: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ الأعراف:31، وقوله تعالى: "إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا"الإسراء: 27. إذاً علينا نحن المشتركين (جهة الطلب) أن نتعاون مع الشركة (جهة الإمداد) في استهلاكنا السوي المعقول وغير المسرف والمفرط، وبهذا نضمن بمشيئة الله تدفقاً مستمرًا لهذه الطاقة الحيوية، ونكون فوق هذا وذاك ممتثلين لنهي ربنا جلت قدرته أن لا نكون من المسرفين المذمومين والمبذرين الممقوتين. * جامعة الملك سعود