تناقلت العرب جيلا وراء جيل صنيعة دنيئة بشعة صادمة غير متوقعة لأحد الأشخاص كادت أن تصيبهم جميعهم في مقتل وتفنيهم، وذلك عندما بَصّرَ أبرهة الحبشي بطريق أرض الحرم، إلا أن الله سبحانه في علاه سلّم بيته المعمور المعظّم من العدوان والدنس، وردع أيضا كيد المعتدي المارق وسحق جيشه العرمرم بطيور صغيرة من أبابيل. لتخلّد هذه الحادثة كآية إلهية تتداولها الألسن بقدسية وإجلال وعظيم شكر إلى قيام الساعة، ويبقى خزيها الأكبر من نصيب الدليلة الذي جعل الناس من قبره مرجماً كلما مروا به بعد أن نعتوه امتهاناً وتحقيراً بأبي رغال. هذا هو حال المتآمرين الجبناء عبر صفحات التاريخ، وهذا هو مآلهم الموحش ومصيرهم المشؤوم الذي يستمر ملطخاً بالسواد والهوان والذل حتى يرث الخالق الأرض ومن عليها. تتعدد أوجه الخيانة وتتنوع دوافعها وأسبابها، ولكن من المؤكد أنها تظل وصمة عار مشينة تلاحق مرتكبيها، الذين لا يربحون إلا الخسران والضياع بالإضافة إلى النبذ من أسرهم ومجتمعاتهم، وعلى قدر وقع لؤم الخيانة وخستها تكون درجة منقلب سوء الخاتمة، وأشنعها خيانة الأوطان التي تتسبب في زعزعة الأمن والأمان وإهلاك الحرث والنسل. وفي عصرنا الجاري المتخم بالمتغيرات والمنعطفات والأهواء لا يخلو الأمر من الوقوف على حدوث هذه الظاهرة السلبية في مناطق مختلفة في عالمنا المليء بالمتغيرات، وأصبح من السهل تجنيد السذج في كل أصقاع الأرض؛ يجندون هذه الفئة من صغار العقول والأحلام بإثارة الشبهات واستحضار عُقد النقص والأوهام، ثم استغلال اندفاعهم الطائش المتهور في العبث والتدمير والأضرار ببلدانهم ومقدراتها القيمة الثمينة. ومع بقاء شرذمة صغيرة مستمرة في غيّها ضد أوطانها، تحرض عند أبواب السفارات، إلا أن الملاحظ بعد انحسار مد المغريات التي صاحبت ما يسمى افتراءً وبهتاناً بالربيع العربي هو رجوع أعداد كبيرة من المغرر بهم عن قناعاتهم المعيبة السابقة نحو جادة الحق والصواب كما يدّعون. وتلك نتيجة منطقية متوقعة لتسلسل سير الأحداث إثر تخلي محرضيهم عن دعمهم وحمايتهم واستضافتهم بسبب الفشل السريع لمشروعاتهم الانفصالية التخريبية في المنطقة، عادوا منكفئين منكسرين يصرحون دوماً عن بالغ أسفهم وشدة ندمهم على جميع ما اقترفوه من جنايات وآثام، وهم يجددون الانتماء والولاء ويطالبون بتفعيل سياسية الصفح والاحتواء. وبين أبواب التوبة الواسعة وحبال التقية الخادعة تبقى فداحة أفعالهم الثورية القبيحة وأقوالهم الشيطانية الخبيثة خيبات ضياع تطارد مستقبلهم المظلم وتنفر الناس منهم أينما كانوا وأينما ارتحلوا، فعلى البغاة الخوارج تدور حتماً الدوائر.