تزخر المكتبات بسِيَر السياسيين والشعراء والمفكرين والأدباء والصحفيين ورجال الأعمال، لكن عينك عند زيارتها لن تلتقط سيرة (الحرب) والمحاربين السعوديين إلا نادراً! وهي سيرٌ ذاتية ترتبط عادة في أذهان المتابعين ب (العسكريين). وأشهر (مقاتل) و(فارس) في العصر الحديث كان صقر الجزيرة الملك عبدالعزيز الذي لم تجد قصته المذهلة كاتباً روائياً يسرد بحنكة المتمرس روعة الحدث وحكاية الطموح وتحول الرمال إلى ذهب، والرجال والقبائل المتناحرة إلى شعب واحد، والشتات إلى وحدة، تُعد من أعظم قصص التوحيد والبطولة التي سجلها التاريخ في القرون الأخيرة! ورغم الحروب والأحداث التي عاصرناها في السعودية خلال العقود الأخيرة ستجد توثيقاً خجولاً لما يحيط بها من بطولات وقصص للأبطال الذين ضحوا بدمائهم في سبيل الوطن؛ سواء في حروب اليمن أو في حرب تحرير الكويت (عاصفة الصحراء) وعاصفة الحزم، وقبلها بعقود حرب فلسطين! ولو فتشنا رفوف المكتبات الآن وجدنا سيراً قليلة للعسكريين، منها (مقاتل من الصحراء)؛ هو الأمير الفارس خالد بن سلطان الذي تروي سيرته جانباً من تميزه وشخصيته القيادية القوية، وقصته مع (العسكرية) و(الحروب) منذ تعيينه ضابط تدريب لضباط عمليات الدفاع الجوي ثم مرت السنوات فأصبح قائداً لقوات الدفاع الجوي السعودي نفسها. وكان مفترق الطرق والتاريخ في عام 1991، عندما أصبح قائداً عاماً للقوات العربية المشتركة في عاصفة الصحراء لتحرير دولة الكويت من القوات العراقية، وهي الحرب التي تداخلت فيها جميع الطقوس والتوجهات والظروف الاجتماعية والعسكرية والسياسية، ومرت السنوات ليصبح مساعداً لوزير الدفاع فقائداً للعمليات العسكرية ضد الحوثيين عام 2009م. والتجربة الأخرى للواء عبدالله السعدون (عشت سعيداً من الدراجة إلى الطائرة)، تروي طفولته الصعبة في الغاط، ومراحل دراسة كافح فيها لينجح ويلتحق بالقوات الجوية ليصبح طياراً مقاتلاً يقود الطائرات قبل أن يقود السيارة. ثم صار قائد سرب مقاتل في أكثر من قاعدة، ليترقى مديراً لإدارة الحرب الإلكترونية في قيادة القوات الجوية، وقائداً في قيادة قوات التحالف لتحرير الكويت، فرئيساً لهيئة أمن واستخبارات القوات الجوية. ليختم حياته العسكرية المليئة بالأحداث والقصص الإنسانية داخل السعودية وخارجها ومحاولات التطوير قائداً لكلية الملك فيصل الجوية. وفي سيرة السعدون الذي عين عضواً في مجلس الشورى بعد ترجله من العسكرية سيكتشف القارئ دور القراءة والرياضة في حياة الناس جميعاً حتى لو لم يكونوا أبطال حرب تلمع النجوم فوق أكتافهم. ومن السير العسكرية الممتعة سيرة الفريق الركن عبدالرحمن بن عبدالله المرشد (خمسون عاماً بين الجنود) الذي ذاق يتماً وفقراً في صغره وظروفاً أسرية صعبة لكنه لم يرتهن لها وكافح وجاهد ليقف معه الحظ مرة ويعانده مرات! ومضى يحقق حلمه بلبس البدلة العسكرية التي حلم بها وهو يقرأ في صغره عن أبطال حرب فلسطين فصار ضابطاً متميزاً ممثلاً لدولته خير تمثيل وقائداً لجنوده الذين أحبهم ووثق بهم فأحبوه وساندوه لتحقيق أحلامه وأفكاره، ليختم حياته العسكرية قائداً للمنطقة الشمالية الغربية، فرئيساً لهيئة استخبارات القوات المسلحة ثم قائداً للقوات البرية ونائباً لرئيس هيئة الأركان العامة. ولا شك أن كثيراً من الرجال والقادة العسكريين في هذا الوطن لم تروَ سيرهم لكن التاريخ سيحفظ لهم ما قدموا من جهد وتضحيات وبطولة.