يواصل الاحتياطي الفيدرالي حملته الصارمة ضد التضخم، والتي بدأت قبل 15 شهراً، عبر قرار عاشر أصدره الأربعاء الماضي برفع أسعار الفائدة ربع نقطة مئوية، مما رفع معدلاتها إلى 5.25 %، ومع هذا، تظل الزيادات المقبلة رهينة للظروف السياسية والمؤشرات الاقتصادية، خاصة وأننا نقترب بشدة من عام المعركة الانتخابية، حيث يتعين تبييض وجه الاقتصاد بسرعة، حتى يتمكن الرئيس الأمريكي جو بايدن من اقتناص الفوز بفترة رئاسية ثانية صعبة، إلا أن وضعية التروي التي ينتويها الفيدرالي عبر إعادة تقييم التضخم، والاقتصاد، والأثر التراكمي لارتفاع الفائدة، تطرح سؤالاً حول مستقبل أسعار المستهلكين خلال الأشهر المقبلة. لم يكن الاجتماع الأخير للفيدرالي سهلاً أبداً، فقد جاء في ظروف محفوفة بالمخاطر، ففيما يتعرض رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول لضغوط سياسية، يلوح في الأفق تخلف حكومي محتمل عن سداد الديون، بينما لا يزال المقرضون، متوسطو الحجم، يكافحون لإيجاد طريقة مقبولة للتعامل الآمن مع العملاء في ظل إفلاسات البنوك، وآخرها، بنك فيرست ريبابليك في كاليفورنيا، والذي أعلن إفلاسه قبل يومين فقط من اجتماع الفيدرالي، مما أجبر مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية على التوسط لإجراء صفقة استحواذ متسرعة لصالح بنك جي بي مورجان، كنوع من الإجراءات الطارئة لوقف العدوى التي بدأت منتصف مارس، والتي دشنها بنكي سيليكون فالي، وسيجنتشر. تفرض الحقائق المرة على الفيدرالي ضرورة الموازنة بين الانكماش الائتماني، والتضخم المرتفع بعناد، حيث يظل تراجع الأسعار تدريجياً فقط، وكلما زادت الفائدة تحطمت معنويات المستثمرين واقترب الركود، ولا شك أن الموقف الحذر للفيدرالي يعكس بجلاء تعقيدات المشهد الراهن، إذ يحاول مسؤولو السياسة النقدية ترويض التضخم، دون تجميد الاقتصاد، ويمكن القول، بأن هناك تحديين أساسيين أمام الفيدرالي، أولهما وضع حد لانهيار البنوك المحلية، وثانيهما احتواء أزمة سقف الديون الحكومية. عموماً، لا يزال التضخم أعلى بكثير من المستهدف الحكومي، والبالغ 2 %، وقد يؤدي اضطراب القطاع المصرفي إلى إبطاء الإقراض وتسريع الركود، وستدفع المواجهة الوشيكة للحد من الديون إلى اضطرابات عارمة في الأسواق، وإذا استمر الانتعاش في إنفاق المستهلكين، فقد يمنح ذلك الفرصة للشركات لمواصلة زيادة الأسعار، وفي هذه الحالة، سيكون المركزي الأمريكي بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد للتأكد من نجاح سياسة تطويق التضخم، وفي حال انحدر الاقتصاد إلى الركود، فقد يتخذ الفيدرالي موقفاً أكثر حذراً. ربما يتوقف الفيدرالي مؤقتًا عن رفع سعر الفائدة، متجاهلاً استمرار معدلات التضخم المرتفعة خلال الأشهر المقبلة، على أمل أن نشهد اعتدالًا أكبر في معدلات التضخم خلال النصف الثاني من العام بسبب تباطؤ أسعار الإيجارات والسيارات الجديدة والمستعملة، وعندها، ستبدأ مرحلة تبريد التضخم، وإذا كان باول ورفاقه يحلمون بهندسة هبوط ناعم للاقتصاد الأمريكي، وهو الوضع الذي يتراجع فيه الطلب بما يكفي لإعادة التضخم إلى طبيعته، فإنه يتعين على الفيدرالي، في كل الأحوال، العمل على احتواء ضائقة تشديد الائتمان التي ستؤثر على الأسر والشركات، وهى ضائقة قد يكون عمرها أطول بكثير من عمر التضخم.