القصيدة حياة الشاعر.. من خلالها يصل إلى حلمه المراد تحقيقه، فهي نافذة إلى الإبداع والتميز، ولكن القصائد المنبرية التي يلقيها الشاعر أو الشاعرة على منابر الشِّعر تختلف كثيراً فهي ليست قصائد تقليدية كما يعتقد البعض، بل تُعد من أصعب ما يقدّمه الشعراء والشاعرات في ميادين الشِّعر لما لهذه النوعية من القصائد من خصائص ومزايا وصفات يجب أن تتوفر في شاعر المنبر فالموقف صعب ويتطلب الكثير من الحضور الشاعري القوي. ومن أهم هذه الخصائص نذكر: أولاً لا بد أن يكون مستواه الفني أكثر من رائع، ووهج شاعري من بداية القصيدة حتى النهاية، أيضاً التأثير على الآخرين، ولفت انتباههم، والعفوية، وما يكتبه الشاعر من قصائد يجب أن تكون على قدر كبير من الثقافة والأدب، والتعبير عن أرائه وتطلعاته وأفكاره التي تهدف للقيم السامية والسجايا الحميدة وكل ما يخدم الوطن كالاعتزاز به من انتماء وولاء وفخر بأمجاده العظيمة، كذلك التنوع في مختلف أغراض الشِّعر. وجميل جداً أن يكون شاعر المنبر حاضراً في جميع المناسبات خاصة الوطنية، وينثر عبق الحروف وفاءً وحباً وإخلاصاً، وجميعنا شاهدنا تفاعل شعراء الوطن في كل مناسبة من مناسبات الوطن الغالي، يقول الشاعر مشعل بن محماس في مناسبة «يوم العلم» الذي كان من أغلى المناسبات التي شهدها وطننا الحبيب: تحت العَلَمْ نحيا عزيزين وحشام ونموت والله ما تنكّس شعاره هبّي عليه النود هبّات الانسام الله كفيل بعزته.. وانتصاره ولشاعرات الوطن حضور راقٍ، وطرح هادف وسامي على منابر الشِّعر، فالأمر يتطلب حبك الألفاظ، وضبط المفردات، وترجمة حيّة لواقع الحياة، ومواكبة الأحداث واستخدام المفردات المناسبة للقوافي، والتعمّق في المعاني، وتُعد الشاعرة د. مناير الناصر من شاعرات الوطن اللاتي شاركن وأبدعن على منابر الشِّعر فهي شاعرة متألقة في كتابة الحرف الرصين المتوشح بالإبداع والجمال، وفي هذا الاتجاه تقول: يا مساء ريح ازرق العود وسط المبخره ويا مساء نور وسعادة على الجمع الغفير لو الم الشِّعر داخل شعوري وانثره الشِّعر ما ترجم بداخلي شوقٍ كبير التواجد والله إنه معاكم مفخره والشرف يومي لكم ادفع الخطوه وأسير اجتمعنا بموطنٍ بيرق العزّ انشره يكفي إنا شعب سلمان عون المستجير درعنا لا ثار وسط الميادين اغبره في نهارٍ تذهل الأم للطفل الصغير والي العهد، المسمى، يا نعم بمخبره ثاقب النظره محمد .. ونعمٍ بالأمير واقفٍ دون الوطن جعل ربي ينصره يردع العدوان لا صاح للداعي نذير دون حد الدار كف المعادي نقصره ما نهاب الموت لو الأمر وضعه خطير يا بلادي يا بلاد الشرف.. والمطهره في غلاك أنبيع الأعمار والعايل كسير وهنا تتجلى حكمة الشاعر أو الشاعرة من الناحية البلاغية والإبداعية والجمالية باختيار النصوص الأجمل والأنسب لمنابر الشِّعر التي يكون لها أكبر الأثر في قلوب المتلقين خاصة محبين الشِّعر وعشاقه، ولا شك أن هذا الأمر سوف يُساهم في نجاح الشاعر في المقام الأول، كذلك في تحسين جودة الشِّعر بما يليق به. وتحلو منابر الشِّعر عندما تكون القصيدة عن الوطن وخدمة الحرمين الشريفين من قبل حكومتنا الرشيدة أعزّها الله.. وفي هذا الشأن أنشد الشاعر عبدالعزيز العنقري على أحد منابر الشِّعر عن الاعتزاز بخدمة المملكة العربية السعودية للحرمين الشريفين: هذي السعوديّه بلاد الحرمين هي قبلة الإسلام في كل ديره مكه وطيبه مسجدينٍ شريفين من شاف خدمتها تعجّب نظيره والمتتبع للشعراء الذين تألقوا على منابر الشِّعر يجد أن «شاعر الوطن» خلف بن هذال العتيبي يُعد من أبرز هؤلاء الشعراء الذين كان لهم حضور جميل وحماسي ومشوق ومؤثر فقد تربع على منابر الشعر خلال عقود مضت، وكانت مسيرته عطرة فقد ألبس الوطن أجمل حُلل الشِّعر بكل فخر وشموخ ونجاح وعطاء مستمر، وسيبقى خلف بن هذال مدرسية شِعرية، وستبقى أشعاره في الذاكرة والقلب والوجدان. لاهانت بلاد اخو نوره ولا هنا الجوخه اللي لبسنا من بطاينها دار ربتنا وضمتنا وفضلنا الموت فيها ولا نجس يدرنها دار على خدها الطاهر تمكنا فيها ومن فوقها نحفظ توازنها يا دار طير السعد والعز لك غنى حلو الأناشيد بصوته يلحنها ومن أهم ما يتصف به شاعر المنبر أن يكون ذا كاريزما خاصة تُساهم في جذب الجمهور إليه، والإعجاب بحضوره على المنبر، وبأدائه وذكائه، وسرعة البديهة، وقبول المستمع له، وتشجيعه على الاستمرار والعطاء الشِّعري أكثر وأكثر وبلا حدود ولا توقف. وجميل جداً أن يخاطب شاعر أو شاعرة المنبر جمهوره الموجود معه، وهنا تكمن براعة الشاعر وما يستخدمه من عبارات تلفت الانتباه ويكون لها أبلغ الأثر في نفوس الحاضرين.. كما تبوح لنا الشاعرة ريف الفهمي: أستبيح العذر كل الحاضرين لا بدت زفرة ودمعٍ منهمر أعذروني دام أنا عذري سمين الهموم تحطّم قلوب البشر كل ما ناظر وجيه العابرين الوجيه الغالية عيّت تمر يوجع الخفّاق فقد الراحلين وريح شوقٍ تلفح بقلبي جمر فارقوني.. وتركوني للأنين كل لحظة بعدهم ضيقة صدر ختاماً.. القصائد المنبرية تختلف بكثير عن القصائد الأخرى.. فهناك فرق كبير بين أن يقرأ الشاعر قصيدته لوحده وبين أن يلقيها على منابر الشِّعر مثل المناسبات أو المهرجانات أو المسابقات الشِّعرية وغيرها من المحافل الأدبية.. فشاعر المنبر الناجح دائماً يقتنص أجمل اللحظات والكلمات التي يضفي عليها وهج البريق الخاطف في فضاء الشِّعر بأداء صوتيًّ مؤثر. خلف العتيبي مشعل بن محماس د. مناير الناصر عبدالعزيز العنقري ريف الفهمي إعداد - بكر هذال