سئل رئيس الوزراء البريطاني السابق بلير عن اقتصاد بلده، فرد: إنه اقتصاد قائم على المعرفة. وهذه إحدى ثمار تاتشر، التي خلال حربها ضد النقابات، دمرت الاقتصاد الصناعي الذي كان مفخرة بريطانيا منذ الثورة الصناعية، وبدلاً عن ذلك أعطت الاهتمام لقطاع المعلومات والخدمات. وهكذا، انضمت تاتشر إلى التوجه السائد في الولاياتالمتحدة منذ عهد ريغان. بالمقابل، فإن الصينوروسياوالهند وإندونيسيا وغيرها من النمور الصناعية الجديدة، قد أعطت الأولوية لنمو القطاعات الإنتاجية الفعلية، أي قطاع الصناعة والزراعة. وهذا أدى إلى سيطرة منتجات هذه البلدان على الأسواق العالمية، مما سرع في إعادة رسم خارطة الاقتصاد العالمي. فكما تشير التقديرات، فإن الصين سوف تصبح العام المقبل، وليس في 2030، أكبر اقتصاد في العالم، كما أن الهند وإندونيسيا وروسيا سوف يصبحون ضمن مصفوفة أكبر ستة اقتصادات في عام 2024. وهكذا، فنحن أمام نموذجين اقتصاديين عالميين مختلفين: نموذج الدول الصناعية القديمة التي بدأت تعتمد على الخدمات واقتصاد المعرفة بشكل متزايد، حيث أصبح وزنها في الناتج المحلي الإجمالي يقترب من 70 %، والنموذج الذي تعتمده الدول الصناعية الجديدة أو الاقتصادات الناشئة، التي تعطي أهمية قصوى لقطاعات الاقتصادية الحقيقية وعلى رأسها الصناعة. وقد مر كلا النموذجان بامتحانين عسيرين، امتحان كورونا، وامتحان الأزمة الأوكرانية التي لا تزال مستمرة. ومن الواضح أن الصين التي كانت في قلب الامتحان الأول، قد نجحت في الخروج منه بأقل الخسائر، في حين أن روسيا لا تزال أمام امتحان صعب. ولكن من الواضح، أن التوقعات المتشائمة بانهيار الاقتصاد الروسي نتيجة للعقوبات المفروضة عليه لم تتحقق وهذا يعود الى اعتماده على قطاعات حقيقية وليست وهمية. وهذا التطور الاقتصادي، سوف ينعكس على النظام المالي العالمي. إذ من المتوقع أن يتعزز اليوان الصيني، ويصبح تدريجياً ضمن العملات التي يتم من خلالها دفع التسويات التجارية في العالم. كذلك، فإن الروبل الروسي لم ينهر كما كان متوقعاً نتيجة العقوبات المفروضة على روسيا. وهذا عائد إلى أن عملة كلا البلدين بالإضافة إلى الذهب، مغطاة: الأولى بجميع المنتجات الصينية المتعددة والثانية بالعديد من المنتجات الروسية، أهمها النفط والغاز والمنتجات الزراعية والعسكرية. ولذلك، فإن البلدين سوف يعززان موقعهما في النظام الاقتصادي المالي العالمي المقبل. في المقابل، فإن الدول التي تعتمد على المعرفة والخدمات بالدرجة الأولى لا تحقق نفس المكاسب. فكما أشار إيلون ماسك، فإن الاقتصاد العالمي يتخلى عن الدولار أسرع بعشر مرات مما كان عليه في العقدين الماضيين. فنصيب الدولار في التسويات العالمية انخفض من 73 % عام 2001، إلى 55 ٪ في 2020، ومع فرض العقوبات على روسيا انخفض المؤشر إلى 47 %.