سبق وأن تناولت في مقالات نشرت في هذه الصحيفة، المرحلة الانتقالية التي يمر بها النظام العالمي، وذكرت خلالها أن تطور هذا النظام قد أفرز 3 أقطاب تتصارع على الزعامة فيما بينها، هي: الولاياتالمتحدةوالصينوروسيا. ولكن دخول الأزمة الأوكرانية على الخط سوف يسرع من التحولات الجارية في هذه المرحلة. فهذه الأزمة سوف تختصر الزمن وتعجل في ظهور الخاسرين والفائزين في السباق العالمي على الزعامة. إذ يبدو أن القوى العالمية المتنافسة على الزعامة في حالة استنفار وتعبئة لكافة الموارد من أجل تحقيق النصر الذي تطمح فيه، وهذا سوف يؤدي إلى فرز الكاسب والخسران في وقت أقل. فمن ناحية هناك روسيا، التي وضعت مستقبلها على المحك وشنت هجوماً على أوكرانيا، فإذا ربحت خلال هذه العملية، فإنها بالتأكيد سوف تعزز موقعها في النظام العالمي، وترسم الخطوط الحمراء التي لن تسمح لغيرها بتعديها، والعكس بالعكس. وأعتقد أن الاقتصاد سوف يلعب دوراً كبيراً في ترجيح كفة هذا القطب أو ذاك، فأميركا قد وضعت كل ثقلها ضد روسيا وضغطت على كل من تستطيع من أجل فرض عقوبات عليها، وهذه العقوبات قد أدت إلى انخفاض حاد لسعر صرف الروبل إلى أكثر من 22 %، وارتفاع أسعار الطاقة في السوق العالمية بشكل كبير. ومن الواضح أن أوروبا، التي تعتمد على مصادر الطاقة الروسية بنسبة تزيد على 40 %، سوف تكون أكبر المتضررين. فهذه البلدان بعد العقوبات التي فرضتها على روسيا سوف تضطر إلى توقيع عقود جديدة لشراء مصادر الطاقة الروسية. وهذا من شأنه أن يدعم الاقتصاد الروسي لسببين: الأول هو أن العقود الجديدة سوف توقع بأسعار أعلى من الأسعار الموجودة في العقود القديمة. وعلى هذا الأساس يتوقع أن ترتفع عائدة النفط والغاز الروسية هذا العام إلى 321 مليار دولار، أي أكثر من الثلث مقارنة بالعام السابق 2021. السبب الثاني، أن أوروبا سوف تشتري موارد الطاقة الروسية هذه المرة ليس بالدولار، وإنما بالروبل، وهذا أدى مثلما لاحظنا إلى ارتفاع سعر صرف الروبل من جديد إلى المستويات التي كانت قبل فرض العقوبات؛ 75 روبلاً لكل دولار. كذلك، فإن الصين المرتبطة بعقود سابقة مع روسيا لتوريد الطاقة سوف تحصل على مصادر الطاقة بأسعار أقل من الأسعار التي سوف تدفعها الولاياتالمتحدة وأوروبا. وهذا بدوره سوف يعزز من تنافسية المنتجات الصينية في السوق العالمية، والتي هي في الأساس أكثر تنافسية من البضائع الأميركية والأوروبية. ولهذا، فإن الفترة التي يحتاجها الاقتصاد الصيني ليصبح أكبر اقتصاد في العالم سوف تسير بوتيرة أسرع، الأمر الذي سوف يعزز موقع الصين في النظام العالمي.