تواصل إطلاق النار ودويّ الانفجارات في الخرطوم، فجر عيد الفطر، فيما أكّد قائد الجيش الفريق أول عبدالفتّاح البرهان، رفضه "أيّ حديث في السياسة" مع حليفه السابق الذي أصبح عدوّه اللدود، قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو. وبينما يحاول المجتمع الدولي انتزاع وقف لإطلاق النار من قائدي الجيش وقوات الدعم السريع في نزاعهما على السلطة، وحذّر البرهان في حوار عبر الهاتف من أنّه "لا خيار إلا الحسم العسكري" اذا لم تَعُد قوات الحسم السريع إلى مواقعها التي كانت ترابط فيها في ديسمبر الماضي. وشدّد قائد الجيش في الوقت ذاته على رفضه أيّ حديث "مباشر" مع دقلو الملقّب ب"حميدتي"، ملمّحاً إلى أنّ الطموحات الشخصية للأخير بحكم السودان هي الدافع الأساسي لهذا النزاع. ودعا الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش، في أعقاب اجتماع عقده مع مسؤولين من الاتّحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية ومنظمات إقليمية أخرى، طرفي القتال في السودان إلى الالتزام بهدنة "لمدة 3 أيام على الأقلّ" لمناسبة عيد الفطر، الذي يحتفل به السودانيون اليوم الجمعة. وليل الخميس، كان مجمع الفقه السوداني قد أعلن أنّ "يوم الجمعة هو أول أيام عيد الفطر". وجاءت دعوة الأمين العام للأمم المتحدة في وقت خلّفت فيه الاشتباكات المستمرّة منذ 15 أبريل، خصوصاً في العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور (غرب)، "أكثر من 330 قتيلاً و3200 جريح"، بحسب منظمة الصحة العالمية. وفي الخرطوم التي يبلغ عدد سكانها أكثر من خمسة ملايين نسمة، تسرع الأسر بالخروج إلى الطرق، والفرار هربًا من الغارات الجوية والرشقات النارية والمعارك في الشوارع. وقال أحد النازحين، الذين فروا من العاصمة بحثا عن مكان أكثر أمانًا "إن رائحة الموت والجثث تخيّم على بعض أحياء وسط العاصمة". وعلى بُعد عشرات الكيلومترات من العاصمة، تستمرّ الحياة بشكل طبيعي، وتفتح المنازل لاستقبال النازحين الذين يصلون في حالة صدمة، بسياراتهم أو مشياً لساعات على الأقدام مع ارتفاع سعر البنزين إلى عشرة دولارات لليتر الواحد، في أحد أفقر بلدان العالم. وللوصول إلى مكان آمن، خضع هؤلاء لأسئلة وتفتيش رجال متمركزين على نقاط مراقبة، تابعة لقوات الدعم السريع وأخرى تابعة للجيش. وكان عليهم خصوصاً التقدم في مسيرهم وسط جثث على أطراف الطريق، ومدرعات وآليات صغيرة متفحمة بعد احتراقها في المعارك بالأسلحة الثقيلة، وتجنب أخطر المناطق التي تتصاعد منها أعمدة الدخان الأسود الكثيفة. هدنة لا تصمد ومنذ تحول النزاع على السلطة الكامن منذ أسابيع بين الفريقين إلى معركة ضارية السبت، يبدو الوضع ملتبساً للسودانيين البالغ عددهم 45 مليون نسمة. ولا يكفّ الطرفان عن إطلاق وعود بهدنات لم تتحقّق. ودوّت الانفجارات مجدّداً الخميس في الخرطوم وفي الأُبيّض على بُعد 350 كيلومتراً جنوب العاصمة. وفي الشوارع المليئة بالركام، من المستحيل معرفة من الذي يسيطر فعليا على مؤسسات البلاد. ويطلق كلّ من الجانبين إعلانات عن انتصارات واتهامات للطرف الآخر، لكن لا أحد يستطيع التحقق ممّا يتم تداوله على الشبكات الاجتماعية. وذكر أطباء أنّ سلاح الجو الذي يستهدف قواعد ومواقع قوات الدعم السريع المنتشرة في المناطق المأهولة بالخرطوم، لا يتردّد في إلقاء قنابل على مستشفيات أحياناً. إرسال عسكريين أميركيين قالت نقابة أطباء السودان المستقلة إنه خلال خمسة أيام "توقف عن الخدمة سبعون بالمئة من 74 مستشفى في الخرطوم، والمناطق المتضررة من القتال"، إمّا لأنها قُصفت أو لنقص الإمدادات الطبية والكوادر، أو بسبب سيطرة مقاتلين عليها وطردهم المسعفين والجرحى. واضطرت معظم المنظمات الإنسانية إلى تعليق مساعداتها، وهي أساسية في بلد يعاني فيه أكثر من واحد من كل ثلاثة أشخاص من الجوع في الأوقات العادية. ومنذ السبت في الخرطوم، استنفد عدد كبير من الأسر مؤنها الأخيرة، وتتساءل متى ستتمكن شاحنات الإمداد من دخول المدينة. وقتل ثلاثة من موظفي برنامج الأغذية العالمي في دارفور في بداية القتال، ولم تعد الأممالمتحدة تحصي عمليات "النهب والهجمات" على مخزونها وموظفيها، وهي تدين "العنف الجنسي ضد العاملين في المجال الإنساني". ووسط هذه الفوضى العارمة، أعلن المتحدث الرسمي باسم الجيش المصري، أنّ ثلاث طائرات وصلت من السودان وعلى متنها غالبية العسكريين المصريين، الذين كانوا في مهمة في السودان. وشدّد المتحدث الرسمي باسم الجيش المصري على "صحة وسلامة كافة العناصر المصرية، التي وصلت الى أرض الوطن، وكذا الموجودة بمكتب الدفاع بالسفارة المصرية بالخرطوم". والخميس، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أنّ الولايات المتّحدة بصدد إرسال عسكريين إلى المنطقة، تحسّباً لاحتمال إجلاء طاقم سفارتها في الخرطوم. وفرّ ما بين 10 آلاف و20 ألف شخص من المعارك الجارية في السودان، بحثاً عن ملاذ في تشاد المجاورة، وفقاً لفرق تابعة لمفوضية الأمم المتّحدة السامية لشؤون اللاجئين موجودة على الحدود. سيارات تابعة للدعم السريع دمرت جراء القصف (أ ف ب)