خلال رحلتي مؤخراً بين العاصمتين الإيطالية روما والإسبانية مدريد، جلس إلى جواري صحفي إيطالي وتجاذبنا أطراف الحديث حول الواقع الإعلامي المعاصر، وجرنا الحادث إلى المعارك الإعلامية التي حدثت منذ انطلاق شرارة الربيع العربي وحتى اليوم، وكيف أن هذه المعركة تم استخدام فيها مختلف الأسلحة الإعلامية التقليدية منها والرقمية، ودخلت فيها الحكومات بثقلها، والشعوب بحبها لأوطانها، وكانت معارك طاحنة، اتفقنا على أن من انتصر فيها هي قوى الخير على الشر، وأصبح أمن الأوطان هو هاجس الجميع. الحديث لم يتوقف عند ذلك، فقد استفردتُ بالحديث، وظل الصحفي محدقاً مستمعاً ومتأملاً، وأثرتُ بالقول إن المملكة العربية السعودية تواجه هجوماً إعلامياً مستمرًا، مرة بسبب موقعها الجغرافي المميز، وأخرى لموقعها الديني، وثالثة لما تتمتع به من خيرات وفيرة، وثقل اقتصادي وسياسي؛ حيث واجهت المملكة جحافل من تيارات عديدة، ثم التبعات الإعلامية لحرب الخليج الثانية، ثم الهجوم الإعلامي الغربي على المملكة بعد أحداث سبتمبر في عام 2001م، ومرورًا بالربيع العربي، والأزمة الخليجية ومن ثم مواجهة الفلول الإعلامية الحزبية التي تناوش بين الفينة والأخرى، وكل هذه الحروب الإعلامية وقفت لها المملكة بالمرصاد وتفاعلت القيادة والشعب كجسد واحد، وخرجت منها الرياض أقوى من أي وقت مضى. وفي لحظة السرد فاجأني الصحفي الإيطالي بسؤال عن حربنا الإعلامية القادمة، متى ستبدأ؟، وكيف ستبدأ؟ وأين ستكون؟ ومن سيوقدها؟ وهل لديكم مستوى إعلامي يدير هذه المعركة بفاعلية؟ ويحقق نتائج تسهم في تقوية موقع المملكة، ويمنحها الأفضلية بين شعوب العالم؟ لم يتركني أجاوب، بل واصل الحديث حول الوقائع الإعلامية التي مرت بإيطاليا مؤخراً ومنها مواجهة الفاشية، وتبعات الحرب الإعلامية الثانية، والاتحاد الأوروبي، ومن ثم القضايا الأوروبية المشتركة، وصولاً إلى الأزمة التي يشهدها الغرب الأوروبي وأميركا حالياً من خلال تحمل تبعات الحرب الروسية – الأوكرانية، وكيف تعمل الآلة الإعلامية الأوروبية على إقناع شعوبها بأنهم أمام قضية مصيرية ربما تضرهم في المستقبل. ودعت الصحفي في مطار باراخاس مدريد، وظل السؤال يراودني عن ملامح المعركة الإعلامية المقبلة، لا سيما ونحن تقريبا كل 10 إلى 15 عاماً نواجه حرباً إعلامية، مرة من القريب والأخرى من البعيد، وخلال هذه الحروب لم نتفق حول آلية إعلامية قادرة على الردع، واستخدام الأسلحة الإعلامية المتنوعة للانتصار. أعتقد أنه آن الأوان كي نخطط للمعركة الإعلامية المقبلة ونشحذ السيوف فهي على الأبواب ربما تكون خلال 8 أعوام أو 10، تزيد أو تنقص قليلاً، ويعود ذلك إلى الصراعات التي لن تنتهي لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية مختلفة. * باحث دكتوراة في المحتوى الإعلامي