يوماً ما ستدرك أن شواطئك المهجورة من ذوي أرحامك هي ملاذك الآمن حين تموج الحياة بمشكلاتها وتتلاطم أمواجها، وستحزن أشد الحزن ندماً عندما تتيقن أن أسباب هذا «الهجر» كانت أبسط من أن نقف عندها لحظات، وأنها كانت مجرد خلافات بسيطة بين الكبار نُقلت إلى الصغار، وعاش الأطفال فيها صراعات لا ذنب لهم فيها، بل توارثوها وكانوا ضحية لنزع كل معاني الطفولة البريئة الغضة من قلوبهم ليشتد عودهم على أحقاد أصدقائهم الصغار وأرحامهم الكبار! ومن هنا لزم أن تعود نفسك على أن تتكئ على عصا صلة الأرحام التي تقيّم ظهرك المنحني، فيوماً ما ستحتاج أو ستشتاق إلى من يسعفك في مواجهة مشكلات الحياة والتي لن تجد حينها سوى أقربائك، لذلك لا تدع المشكلات الصغيرة تفسد حبال الود بينك وبينهم، وعلموا أولادكم حل مشاكلهم الطفولية الصغيرة فيما بينهم بطريقتهم الخاصة وبقلوبهم الملائكية النقيّة وأنفسهم الزكيّة، وحبهم للجميع، فلا يوجد أي مبرر للاستماع لوساوس شيطانية لإحداث فجوات متتالية تكبر مع الزمن بسبب الصغار، وهنا لابد من وجوب الاحتكام المباشر إلى الحكمة والتأني والتسامح والطيبة.. ضع نفسك مكان الآخرين فلا أحد يرضى على أبنائه أن يعنفّهم أو يتنمر عليهم أي شخص كائناً من كان، وعلى الصغار إن حدث مثل هذا السلوك المشين إبلاغ أحد والديّ المعنّف والمتنمر؛ لتوجيه أبنائه وإصلاح الموقف بدلاً من تأجيج الموقف بالتدخل لصالح ابنه، فكما قيل قديماً «الكبار يتفاضحون والصغار يتصالحون». وفي منعطفٍ آخر، الخوف أشد الخوف على هذا الجيل الذي ينشأ على مقاطعة أقربائه، ويجفّ مداد المشاعر نحوهم ليفتقد على مرّ الأيام من كانوا يملؤون حياتهم بهجًة وسرورًا وينتظرون جمعة الأهل والعائلة كفرحة ويجفّ مداد المشاعر، صدقاً من هنا، ماذا ننتظر من جيلٍ ينشأ على هذه الثقافة الغريبة، ومنها لابد الانتباه لآذان أطفالنا والابتعاد عن ملء عقولهم وقلوبهم بكلمات.. ابتعد عن الطفل فلان، لا تكلمي الطفلة فلانة!.. فهذا سلوك غير قويم وناضج، ولا يتوقع أن نصل له أبداً وخصوصاً في الأسر الكريمة، التي تنشد تقوية أواصر المحبة وتعزيز التقارب والاحترام والتقدير بينهم وبين أقاربهم، ونشر الثقافة الأخلاقية الجميلة لهذا الجيل الطاهر النقيّ. وفي نفس المنعطف والنصح.. يا من تماديت على الأطفال بتعنيفهم أو بممارسة أي نوع من أنواع التنمر قد تكون عشت لحظتك، لكن اعلم أنك خالفت هدي النبي صلى الله عليهم وسلم، فقد كان شديدَ الاهتمام بهم، ودعا إلى تأديبهم وغرس الأخلاق الكريمة في نفوسهم، وحثّ على رحمتهم والشفقة عليهم، فقال: «من لم يرحمْ صغيرَنا، ويعرف حَقَّ كبيرِنا، فليس منا»، وكان عليه السلام أيضاً وعلى عظيم قدره، وعلو منزلته، هو من يبدأ بالسلام على الأطفال حباً لهم، ورِفقاً بهم، وتلطفاً معهم، لإشعارهم بمكانتهم وإعطائهم الثقة بأنفسهم، وقد مدحهم وأثنى عليهم. ختاماً، لتكن لنا وقفة مع النفس نحاسبها ونراجعها ونتقّي الله في الأطفال ونزرع فيهم جميل المعاني والصفات، والحب والمودة لنعيد للأنفس صفاءها، وللروح سكونها، ونرسي أشرعتنا على شواطئ الأمان، بإحسان تعاملنا مع أحباب الله ليعيشوا مستقبلاً جميلاً مليئاً بالذكريات الجميلة.