بكثير من الأمل والتفاؤل، تخطط المملكة لمستقبلها الاقتصادي كما تشاء، وتنطلق في هذا المسار بوتيرة سريعة ومدروسة، تدرك جيداً من أين ستبدأ، أين ستنتهي، مستنيرة برؤية 2030، التي وعدت قبل سبع سنوات، بوطن متطور ومزدهر، ينعم كل من يعيش على أرضه ببحبوحة العيش الآمن والكريم. وإذا كانت الرؤية نجحت في السنوات الماضية في بناء اقتصاد وطني قوي، استطاع تجاوز التحديات، وتخطي الأزمات الدولية، فاليوم تأتي الرؤية بخطوة جديدة ونوعية، ترسخ المشهد الاقتصادي الوطني، وتنقل البلاد إلى مكان آخر، انطلاقاً من بوابة الصناعة، وهو القطاع الذي اعتمدت عليه دول العالم الأول، وتربعت على قمته بلا منازع، وجاء الوقت لتشاركه المملكة هذه القمة. في وقت مبكر من إطلاق الرؤية، أدرك ولاة الأمر أهمية القطاع الصناعي، وعملوا على تفعيله وتسهيل الإجراءات فيه، من أجل جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، واليوم تخطو المملكة خطوة أكثر تقدماً في دعم القطاع ذاته، بالإعلان عن «الاستراتيجية الوطنية للصناعة»، وتضمينها الكثير من الأهداف النوعية، لتحقيق التطلعات. ويُخيل لي أن أبرز هذه الأهداف، الارتقاء بدخل القطاع إلى 20 في المائة من إجمالي الدخل القومي، وهي النسبة المثالية التي حققتها الدول الصناعية الكبرى، ويقيناً، المملكة لا تقل عن تلك الدول في شيء، وإنما تعلوها، بما لديها من مقومات وإمكانات، تساعدها على تحقيق طموحاتها، من خلال الانطلاق الجاد في الصناعات التحويلية، والخطوة الأولى لتحقيق هذا المطلب، تفعيل الاستراتيجية الوطنية للصناعة. أستطيع التأكيد على أن الصناعات التحويلية، لطالما كانت مطلباً للجميع منذ عقود مضت، وحازت على اهتمام الدولة والمستثمرين، وكانت هناك دعوات للبدء فيها، إلا أنها لم تتحقق بالشكل المطلوب طيلة هذه السنوات، ولكن يبدو أن رؤية 2030 ستكون قادرة على تحقيقها خاصة أن تلك الرؤية تهتم بإعادة توظيف إمكانات المملكة، واستثمارها بطرق مغايرة، بما يضمن أعلى عائد لمشاريع الدولة، مع توفير الوظائف لأبناء الوطن، لذا، فالنجاح المتوقع في الصناعات التحويلية، سيفوق توقعات الجميع، خاصة أن المملكة غنية بمنتجات الطاقة والبتروكيميائيات، التي يمكن وقف تصديرها في صورتها الخام، واستثمارها في تعزيز الصناعات التحويلية، وإنشاء مئات المصانع، وتوظيف آلاف الشباب، وهو ما يُدر على البلاد عائداً أكبر مما هو حاصل اليوم. ولعلي هنا، أتفق مع حديث وزير الطاقة، عندما أعلن بعبارة صريحة أن المملكة تأخرت في تعزيز الصناعات التحويلية نحو أربعة قرون، وهنا قفزت إلى ذهني عبارة «أن تأتي متأخراً أفضل من ألا تأتي مطلقاً»، وأزيد على ذلك، أن المملكة قبل الرؤية، مختلفة عنها بعد الرؤية، وأن وعود تمنيات «الأمس»، يمكن أن تصبح واقعاً ملموساً «اليوم»، وسنحتفل جميعاً بوطن يصنع كل احتياجاته بأيدي أبنائه، مستثمراً منتجاته الخام. ويبقى الجميل في مشهد الاستراتيجية الوطنية للصناعة أنها تحدد أهدافها بكل دقة، فأعلنت تركيزها على 12 قطاعاً فرعياً، تستهدف تنويع الاقتصاد الصناعي في المملكة، فيما حددت أكثر من 800 فرصة استثمارية بقيمة تريليون ريال، لتشكل فصلاً جديداً من النمو المستدام للقطاع، بما يحقق عوائد اقتصادية طموحة للمملكة بحلول عام 2030؛ تشمل: مضاعفة الناتج المحلي الصناعي بنحو 3 مرات، ومضاعفة قيمة الصادرات الصناعية لتصل إلى 557 مليار ريال.