نجحت المملكة العربية السعودية في تعزيز مكانتها كقوة صناعية سريعة النمو، حيث تضم أكثر من 10،000 منشأة صناعية، محتلة المرتبة 41 على مؤشر الأداء الصناعي التنافسي، وتهدف الإستراتيجية الوطنية للصناعة في المملكة إلى مضاعفة قيمة الصادرات الصناعية إلى حوالي 149 مليار دولار بحلول عام 2030، وتصدر عن القطاع الصناعي حوالي 46٪ من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة في السعودية، يليه قطاع توليد الطاقة بنسبة 28٪، والنقل بنسبة 19٪، يشير هذا الواقع إلى ضرورة الاستثمار في الإمكانات والفرص الحالية لتطوير التقنيات والصناعات الخضراء في المملكة. وسلّطت "آرثر دي ليتل"، شركة الاستشارات الإدارية في تقريرٍ جديدٍ لها، الضوء على أهم الطرق والممارسات التي يمكن اعتمادها لضمان التوازن في إطار الجهود الرامية لتعزيز النمو الاقتصادي وحماية البيئة وتحسين مستويات الرفاه الاجتماعي، ويركز التقرير، الذي يحمل عنوان: "الشروط الأساسية لتعزيز التنمية المستدامة في القطاع الصناعي: دراسة حالة المملكة العربية السعودية"، على أهمية القطاع الصناعي كركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية، بالإضافة إلى البحث عن أفضل السبل والوسائل لتعزيز التنمية المستدامة في القطاع الصناعي. وقال الدكتور أدهم سليمان، شريك في قطاع الطاقة والمرافق في "آرثر دي ليتل" الشرق الأوسط: "حققت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إنجازات استثنائية في مجال التنمية المستدامة. وتمتلك دولها مجموعة من الرؤى الطموحة، الهادفة للحد من بصمتها الكربونية، وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة كبديل عن المصادر التقليدية. ورغم هذا الواقع الإيجابي، إلا أن المنطقة تحتاج لتعزيز جهودها التعاونية والعمل على نحو جدي لتسريع مسارها المستدام، وتحقيق هدف الحياد الكربوني على المدى الطويل. ويتوجب على الدول في هذا الإطار، التحول لاعتماد مصادر الطاقة المتجددة بوتيرة أسرع، ووضع رؤى واستراتيجيات أكثر طموحاً، لتحقيق أهداف الاستدامة في القطاع الصناعي. ويستعرض تقريرنا الأخير، واقع المملكة العربية السعودية كإطار مرجعي يمكن الانطلاق منه، للتعرف على أفضل الطرق التي يمكن اعتمادها، لخفض انبعاثات الكربون والحد من الآثار المترتبة عن التغير المناخي، واستشراف مستقبل أفضل لكوكبنا ومجتمعاتنا". وتحرص المملكة، بصفتها أكبر قوة صناعية في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، على بناء مستقبل أكثر استدامة، وتسعى في هذا الإطار لتحقيق أهداف طموحة، من بينها خفض الانبعاثات الناجمة عن القطاع الصناعي بنسبة 65٪ بحلول عام 2050، في هذا الإطار، أطلقت المملكة مجموعة من المبادرات عبر القطاعات الاقتصادية عامة والقطاع الصناعي خاصة. وتستعرض "آرثر دي ليتل" في تقريرها الحالي أهم المجالات الواجب التركيز عليها من قبل الصناعيين على طول سلسلة القيمة لضمان النمو المستدام. وتشمل، الاعتماد على الموارد المستدامة في القطاع الصناعي: تعتبر الطاقة مدخلاً ضرورياً لتشغيل القطاع الصناعي؛ ما يؤكد ضرورة معالجة التحديات الناجمة عنها لوضع استراتيجيات ناجحة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة في القطاع الصناعي. ويعد الانتقال الى الاعتماد على بدائل الطاقة المتجددة بدلاً من مصادر الطاقة الملوثة، خطوة أساسية لتعزيز الاستدامة، وإدارة عمليات التصنيع على نحو مستدام: وفقاً لبيانات القمة العالمية للحكومات، تشكل الانبعاثات الناجمة عن العمليات الصناعية ما يزيد عن 30٪ من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة، ومن المؤكد أن تحديث عمليات التصنيع الصناعي وإدارتها بشكل مستدام يساهم في الحد من هذه الانبعاثات، ومن الممكن أن يؤدي استهلاك الطاقة على نحو أكثر كفاءة، إلى خفض الانبعاثات الناجمة عن أعمال التصنيع بنسبة 8٪. وكذلك تعزيز كفاءة أعمال الشحن والتوزيع: إضافة إلى الموارد وعمليات التصنيع، تعتبر عمليات شحن وتوزيع المنتجات المصنعة من أهم مصادر الانبعاثات على مستوى القطاع. ومن الممكن الارتقاء باستدامة هذه العمليات عبر تبني حلول التخزين الخضراء وتعديل شبكة الطرق المستخدمة لأعمال الشحن والتوزيع، والاعتماد على ناقلات وشاحنات حديثة تستهلك الوقود بكفاءة عالية. وايضا العمل على التسويق الأخضر، حيث تعتبر مواد التغليف القابلة لإعادة الاستخدام، من الخيارات المتاحة التي يمكن للمصنعين اعتمادها لخفض بصمتهم الكربونية، والجدير بالذكر، أن استبدال البلاستيك ذات الاستخدام الواحد بمواد صديقة للبيئة يحافظ على الطبيعة ويساهم في خفض نفقات الشركات بشكل ملحوظ. بالإضافة إلى اطلاق الاستراتيجيات الهادفة للحد من الانبعاثات، تعمل المملكة بوتيرة متصاعدة على اتخاذ تدابير جديدة لخفض استخدام المياه العذبة في القطاع الصناعي. تضم الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية (مدن)، 16 مدينة صناعية، وتتطلع الحكومة السعودية لتزويد هذه المدن بمياه الصرف الصناعي المعالجة، لتشكل 70٪ من إجمالي كميات المياه المستخدمة فيها بحلول عام 2030. وقال عامر الحاج شاهين، مدير أول في قطاع خدمات الطاقة والمرافق في "آرثر دي ليتل" الشرق الأوسط: "تعتبر التنمية المستدامة في القطاع الصناعي من أهم المجالات التي يجب التركيز عليها من قبل الشركات الخاصة والجهات الحكومية، ويعود السبب في ذلك إلى تزايد الضغوطات التنظيمية، وتنامي الوعي البيئي لدى المستهلكين. وتسعى المملكة العربية السعودية لتعزيز مستويات التنمية المستدامة في القطاعات المختلفة، عبر تحديد أفضل الممارسات في هذا الإطار، وإطلاق المبادرات المبتكرة، وتعزيز عمليات تبادل المعرفة، ويسلط تقريرنا الأخير الضوء على المقاربات الرئيسية الممكن اعتمادها لتعزيز التنمية المستدامة في القطاع الصناعي، عبر منظومة من السياسات والحوافز التي تشجع الشركات على تبني سياسات صديقة للبيئة". ووفقاً للتقرير، تعمل المملكة على تعزيز التعاون وتوحيد الجهود على مستوى منطقة مجلس التعاون الخليجي، بهدف تحقيق غايات التنمية المستدامة في القطاع الصناعي ومواجهة التحديات الناجمة عن التغيرات المناخية التي تشهدها دول المنطقة، ويهدف هذا التعاون الى اتباع الاستراتيجيات اللازمة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، واعتماد أفضل الحلول لإدارة النفايات، وتعزيز الوعي بأهمية الاستدامة في القطاع الصناعي.