استناداً إلى دراسات تاريخيّة وطنيّة سعوديّة وعالميّة؛ واعتزازاً بترسيخ القِيَم الوطنيّة الأصيلة ليوم "التّأسيس السُّعودي" (30 / 6/ 1139ه) برعاية خادم الحرمين الشّريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده الأمين صاحب السّمو الملكي الأمير مُحمّد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظهما الله-، ضمن رؤية المملكة (2030م) في مسيرة التّنمية الشّاملة والمُستدامة للمجتمع السُّعودي لعام 1444ه، أنجزت تقريرا صحفيا: "حِصار الدِّرعيّة وبُطُولات السُّعوديين". وجاء التقرير نتيجة لدراسة علميّةٍ حديثة في استشراق قيم النضال الوطني السُّعودي المُشرِّف في الدِّفاعِ عن الدَّولة السُّعودية الأولى من خلال البحث والتقصي التاريخي في أحداث الملاحم والبطولات التّاريخيّة التي خاضها السُّعوديون ضدّ الحِصار الأجنبي الغاشم للدرعية؛ عاصمة الدَّولة السُّعودية الأولى سنة (1233ه). وانطلاقاً من أهمِّيَّة هذا الحدث التَّاريخي المفصلي المُهمِّ في تاريخنا العربيِّ، والإسلاميِّ، والعالميِّ، من النَّاحية السِّياسيَّة، والثَّقافيَّة، والاجتماعية، تبرز أهميّة تقرير هذه الدِّراسة التّاريخيّة لما فيه من تحليل وتفسير للمضامين العامَّة، والخاصَّة لأحداث ذلك الحِصار التَّاريخي الغاشم على الدِّرعيّة العاصِمَة، وتوصيف المُقاومة البطوليّة المُشرِّفة والباسلة للجيش السُّعودي الباسل؛ إماماً، وقادةً، وقبائل، وأفراداً، في أشدِّ ملاحم الدّفاع والصُمود عن عاصِمَة الدَّولة السُّعودية الأولى. فكان من أهدافِ هذا التقرير وضعُ الواقعة البطولية للسُّعوديين ضمن مسارها الصَّحيح تاريخياً، وتوفير شيءٍ من تكاملِ النظرة إليها، ومن ثمَّ تحليل أسباب المعارك الهجومية الغاشمة، والملاحم الدِّفاعيّة الباسلة بإمكاناتها القليلة، وصمودها العنيف، وصولاً لإنصافِ الإمام عبدالله بن سعود مما جاء بحقِّهِ في بعضِ الدِّراسات في الجانب القيادي، وتفسير نتائجها الإيجابية والسلبية؛ فتمَّ التَّركيز على وصف الأدوار الحربيَّة الخالدة للقادة العسكريين السُّعوديين، الذين شاركوا في مُقاومة القوَّات الغازية، ومحاولاتِ فكِّ الحِصار الغاشم عن الدِّرعيّة العاصِمَة، وأماكن تمركزهم، انطلاقاً من أنَّ مواجهة هذا الحِصار هو واجبٌ ديني، ووطني وعُرفي، وجهدٌ جماعي لجميعِ السُّعوديين المُشاركين في الدِّفاع والمُقاومة. وبعد ما رأينا كيف أنَّ بعض أخبار تلك الجهود الحربيَّة الدِّفاعيّة المُهمة، لا يزال مُتناثراً في بطونِ الكُتبِ والوثائق التي عاصرت أحداث الحملات والحِصار، ثمَّ احتلال الدِّرعيّة العاصِمَة، كان من الواجب العلميِّ -وبباعث ولائي ذاتي- المُساهمة في مسيرةِ الجهود البحثية الهادفة ضمن رؤيةِ (2030) في الجوانب التنموية للتراث العربي السُّعودي الأصيل؛ فاجتهدنا -بإمكانيات ذاتية- في جمعِ أخبار تلك الجهود التاريخية ضمن تقرير صحفي تاريخيٍّ سردي؛ يُقدِّمُ للقارئ المُهتمِّ الصُّورة الحقيقية عن واقعِ تلك المُقاومة الباسلة وما رافقها من بُطُولات سعودية ومحاولات جريئة لفك الحِصار العُثماني الغاشم عن الدِّرعيّة في لوحةٍ دراميَّة فنِّيَّة مُتكاملة الأبعاد، والحقائق، والأماكن، بأمل أنْ يَرقى هذا التقرير التاريخي في منهجهِ وأدواته إلى مُستوى الدِّراساتِ العلميَّةِ المطلوبة. تمثلت المُنطلقات النَّظرية لهذا التقرير، بما يأتي: أ- أسس الإمام محمد بن سعود بن محمد (1104 - 1179ه) الدَّولة السُّعودية الأولى سنة: (1139ه /1727م) في الدِّرعيّة العاصِمَة على أُسسٍ مُجتمعيةٍ تمثلت بتحقيقِ حالةٍ من الأمنِ المُجتمعيّ الشامل والاستقرار الاجتماعي، والعدل والمُساواة، وحفظ أمن طُرق قوافل الحج والتجارة والسَّابلة المارة بِبُلدان نجد، وتأمين سُبل التطور والازدهار والرخاء للناس في المُجتمع السُّعودي. ب- خاض السُّعوديون منذ نشأة الدَّولة السُّعودية الأولى في الدِّرعيّة عام (1139ه) إلى نهايتها عام (1233ه) قادةً وأفراداً ملاحم بُطُولية دِفاعيّة مُشرِّفة ضد الحملات الداخلية والخارجية للدَّولة العُثمانية وأتباعِها على الدِّرعيّة عاصِمَة الدَّولة السُّعودية الأولى. أما الظّروف الاجتماعيّة والسّياسيّة في نجد والحجاز في القرن التّاسع عشر الميلادي (1800 - 1835م) من خلال إخضاع الدَّولة السُّعودية الأولى للبُلدان والقبائل المُتمرّدة، وبسط نفوذها على الحجاز، وما تضمن ذلك من صراع مرير لها مع الدَّولة العُثمانيّة وأتباعِها في الداخل والخارج، بعد أنْ أصبحت الدِّرعيّة عاصِمَة للدَّولة السُّعودية الأولى. حكمت الدِّرعيّة أسرة عربيّة مجيدة في أصالتها؛ هي أسرة آل سعود الحنيفية البكرية الوائلية، التي أسّسها جدّها الأمير مانع المريدي في مُنتصف القرن التّاسع الهجري (850ه)، حين قدِم مع أسرته من جنوب غرب القطيف إلى ديار ابن عمّه درع فنزلوا عليه، فأقطعهم ابن درع مكان الدِّرعيّة هذا فسمُّيت بالدِّرعيّة، وأكمل الإمام محمد بن سعود مسيرة البناء فأسس فيها الدَّولة السُّعودية الأولى في (30 / 6 /1139ه) على قِيَمِ الأمن والأمان والعدل والمساواة، فبنى مُجتمعاً سعودياً زاهراً بالتقدم والرُقي والازدهار. وكان نتيجة ذلك أنَّ بسطت الدِّرعيّة العاصِمَة نفوذها على جُلِّ الجزيرة العربيّة، وحَوَّلت واقعها المرير إلى وحدةٍ مُستقرّة آمنة ذات كيانٍ اجتماعي واحد، وهدفٍ واحد، ومصيرٍ واحد، وجسدٍ واحد. فأصبحت ملاذاً آمناً ووطناً كريماً لكلِّ من ينشد السّلم والسّلام والأمن والأمان والعيش الكريم. هذا الواقع الجيو سياسي الجديد في الجزيرة العربية أثار حفيظة أعداء الدَّولة السُّعودية الأولى في الداخل والخارج، فتحركت الدَّولة العثمانية من خلال وكلائها داخل الجزيرة العربية وخارجها لتأليبهم ضد حُكام الدَّولة السُّعودية الأولى، وباشرت بإرسال المزيد من الحملات العسكرية المُنظمة على الدَّولة السُّعودية الأولى من العراق ومصر بهدف إسقاطها والقضاء عليها. إنَّ الواجب الوطني والديني عزز لدى حُكَّام الدَّولة السُّعودية الأولى مبادئ المُقاومة والصُمود والتضحيات في صَدِّ تلك الحملات العسكرية الغاشمة عن بُلدان دولتهم الفتية، فسَجَّل التاريخ العربي والعالمي لهم أسمى آيات بُطُولات الصُمود والمُقاومة لتلك الحملات الغازية. ملاحم بطولية بدأت أهم البُطُولات التاريخية للسُّعوديين زمن الإمام محمد بن سعود بن محمد خلال صده للحملاتِ الداخلية ضِدَّ الدِّرعيّة فصَدَّ حملات: دهام بن دواس بن عبدالله الشعلان سنة (1159/1187ه)، حيث دارت بينهما عدة معارك مثل: معركة الشَّياب سنة (1159ه)، ومعركة دلقة سنة (1160ه)، ومعركة هدم المرقب سنة (1187ه) وهذه بقيادة الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود (1133 - 1721ه) حيث سَطَّرَ فيها أروع آيات البُطولة وحقَّقَ نصراً مُشَرِّفاً فيها على خصومه. ثمَّ صَدَّ حملتي: عريعر بن دجين سنة (1172ه)، وسنة (1188ه) وكانتا بعد أنْ رأى عريعر نفوذ الدَّولة السُّعودية الأولى يقوى، وينتشر، ويُلاقي القَبول بين العامة، والخاصة، وأنّ أخبارها قد طرقت مسامع أهل بلاده، ونفذت إلى قلوبِ بعض الناس منهم، فأوجس خيفةً ونهضَ ليقضي عليها. ثمَّ صَدَّ الإمام عبدالعزيز بن مُحمَّد بن سعود حملة حاكم نجران الحسن بن هبة الله المكرمي الأولى سنة (1174ه) على الدِّرعيّة، ثمَّ حملته الثَّانية على نجد سنة (1189ه). وفي عام (1203ه)، كانت مسيرة الجيش السُّعودي بقيادة الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد (1161 - 1229ه) إلى المبرز والهفوف في الأحساء لإعادتهما لسلطة الدَّولة السُّعودية الأولى. كما حدثت في عام (1204ه) في الأحساء وقعة (غريميل) بقيادة الأمير سعود بن عبدالعزيز بن محمد وسَطَّرَ فيها بُطُولات خالدة ما زالت حاضرة في الأذهان إلى يومنا هذا، ثمَّ وصلت حملة الأمير سعود بن عبدالعزيز بن محمد في عام (1206ه) إلى بلدة سيهات، والعوامية، ووصلت حملة أخرى إلى الأحساء عام (1207ه). وانتهت تلك الحملات بانتصار جيوش الدَّولة السُّعودية الأولى الباسلة، حيث أمر الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد القائد عبدالوهاب بن عامر المُتحمي بن أبي نقطة (ت 1224ه/1810م) بالمسير إلى نجران، وبناء حصن بالقُرب منها، ليكون درعاً واقياً وبُرجاً لمُراقبة اعتداءات نجران، وكان ذلك في أحداث عام (1220ه). ثمّ ما لبِثت بلادُ نجران أنْ انطوت تحت ظل حكم الدَّولة السُّعودية الأولى، وبهذا أصبحت نجران جزءاً من الدَّولة السُّعودية الأولى وحاميةً لها من الطرف الجنوبي للجزيرة العربيَّة. ثمَّ تفرغ حاكم الدَّولة السُّعودية الأولى سعود بن عبدالعزيز بن محمد لمواجهة مُعارضة الأشراف في مكَّة والمدينة المُكرَّمتين سنة (1205ه) لدولتهِ، والتي انتهت بانتصار جيوش الدَّولة السُّعودية عليهم، فدخل الحجاز تحت ظل حكم الدَّولة السُّعودية الأولى سنة (1220ه/1805م). بعد ذلك انشغل حكام الدَّولة السُّعودية الأولى بالتصدي لحملات المُعارضة السياسيَّة الخارجية لدولتهم. فبعد أنْ اتضحَ للدَّولة العُثمانيَّة مدى قوةِ السُّعوديينَ بعد ضمِّهم لجبل شمر سنة (1201ه/1787م) وقربهم من ولاية الشَّام، وبعد ضمّهم الأحساء سنة (1208ه/ 1793م)، واقترابهم من العراق، وضمهم مكَّة المكرمة سنة (1210ه/1795م) بدأت الدَّولة العُثمانيَّة عملياً بالتَّحركِ العسكري الواسع ضدَّ الدَّولة السُّعودية الأولى بعد أنْ أدركتْ مدى إمكانياتها، فسعت للحدِّ من خطرها قبل أنْ يتسع نطاقها، وكلفت والي بغداد سُليمان باشا بهذه المَهمة بُحكم تهديد السُّعوديينَ المُباشر لأراضيه. في خضم تلك المُقاومة السُّعودية الباسلة للحملات الخارجية على الدَّولة وَجَّهَ الإمام عبدالعزيز بن مُحمَّد حملته العسكرية على العراق سنة (1203ه)، فكانت هذه الحملة أولَ حملةٍ توجهت من داخل الجزيرةِ العربيَّة في عهد الدَّولة السُّعودية إلى العراق، وقد اتجه الأمير سعود بن عبدالعزيز فيها -قائداً لهذه الحملة- من قِبل والده الإمام عبدالعزيز بن مُحمَّد، حيث كان له لقاءٌ مع ثويني في الصُّمان ومع جمعٍ من قبائل المُنتفق في الروضتين بين (سفوان والمطلاع)، فاستطاع في نهاية هذه اللقاءات الحربية بذكائهِ وحنكتهِ العسكريَّة والسياسيَّة وشجاعتهِ أنْ يُحرزَ الانتصار البطولي عليهم، وأن يستولي على مُعسكرهم، ومن دون شَكٍّ فإن هذه التحركات كانت مَدعاةً لقلقِ السُّلطات العراقية الموالية للدَّولة العُثمانيَّة. ثمَّ صدت القوات السُّعودية حملة ثويني في وقعة سحبة عام (1211ه/1796م) ، وفيها بدأت تحركات جُموع ثويني من الجهراء، واتجهت صوب الأحساء، ونزلت في الطفِّ، ثمَّ انتقل ثويني منها، ونزل عند ماء الشباك المعروف، حيث كانت القوات السُّعودية إذ ذاك قد نزحت عن هذهِ المناطق وفق خطة حربيَّة ذكيَّة، قد استعملها قائد الجيش السعودي الأمير سعود بن عبدالعزيز بن محمد، حيث أمر قائده حسن بن مشاري بأنْ يجمع الجيوش في مكانٍ واحدٍ على ماءِ أم ربيعة، وحققت انتصاراً ساحقاً على قوات ثويني. وبعد أنْ أحسَّت الدَّولة العُثمانيَّة بالخطرِ السُّعودي المُحدق الذي يُهدِّدها، وتيقَّن السُّلطان العثماني بأنَّ لقب حامي الحرمين الشَّريفين سيُسلب منه، وسيذهب لصالح إمام الدَّولة السُّعودية الأولى، أرسل حملة عليّ كيخيا سنة (1213ه) فتصدت لها القوات السُّعودية بكلِّ بسالةٍ وشجاعةٍ ورباطة جأش وانتصرت عليها. بعد ذلك تيقَّن السُّلطان العثماني محمود الثاني عجزَ وفشلَ حملات ولاة العراق والشَّام بالقضاءِ على الحكمِ السُّعودي الجديد، حيث أدرك العُثمانيون ضعف جيوش الشَّام والعراق، وعدم استطاعتهم الوقوف أمام قوة جيش الدَّولة السُّعودية وحاكمها، فقام بتكليف والي مصر محمد علي باشا لتنفيذ الحملة العسكريَّة ضد الدَّولة السُّعودية الأولى في جميع بُلدانها. وفي سنة (1223ه/1808م) خرج والي مصر مُحمَّد علي باشا (1769 - 1849م ) لوداع (بيانجي بيك) الذي أحضر الأمر من الأستانة بخروج العساكر العُثمانيَّة لحرب الدَّولة السُّعودية الأولى والقضاء عليها، فجهز والي مصر حملتين عسكريتين كبيرتين إلى الحجاز ونجد؛ الأولى بقيادة ابنه طوسون باشا سنة (1226ه -1230/ 1811-1815م) وقَدَّرَ الله تعالى لها أنْ تبوء بالفشلِ والخيبةِ وعار الهزيمة تحت ضربات جحافل القوات السُّعودية الباسلة، وأمام البُطُولات المشرفة التي سطروها في مقاومة جيوش تلك الحملة الغازية، وأما الحملة الثانية فكانت بقيادة ابنه الثاني إبراهيم باشا سنة (1231 – 1233 ه / 1816 – 1818 م). والتي سطر فيها الجيش السُّعودي الباسل أروع آيات البطولة والصُمود في كل ملاحمهم الدِّفاعية ضد قواتها العثمانية المصرية المُدججة بأعتى وأحدث الأسلحة حينها، وفيها كبار القادة والخبراء الأوربيين العسكريين. كما وقعت ملاحم وبُطُولات كثيرة بين قوات الدَّولة السُّعودية الأولى الباسلة والقوات العثمانية المصرية الغازية، ويمكن إيجازها من خلال عرض دور الإمام عبدالله بن سعود وأدوار أبنائه وأقربائه من آل سعود الأمجاد، ومن شارك معهم من قادة وأفراد في مُقاومة جيوش تلك الحملات، وفقاً لما يأتي: الدفاع عن الدرعية 1 - دورُ الإمام عبدُاللهِ بن سُعود في الدِّفاعِ عن الدِّرعيّة العاصِمَة: لم يدَّخِر الإمامُ عبدُاللهِ بن سُعود -حاكمُ الدِّرعيّة- جُهداً إلّا وقامَ به لصدِّ جحافلِ الغُزاةِ المُعتدينَ عن تُرابِ الدِّرعيّة العاصِمَة وعن أهلها، وقد سطّرَ بشجاعتهِ وصمودِهِ وحِنكتهِ أروعَ مِثالٍ لُكبرى ملاحمِ البطولةِ في التَّاريخِ العربيِّ الإسلاميِّ الحديثِ، فقد تمكّنَ من الصُمود في المواجهةِ الدِّفاعيّة الباسلةِ مُدّة (6) أشهر ، كبّدَ خِلالها قُوّاتَ حملةِ إبراهيم باشا الغازيةِ الكثيرَ من الخسائرِ بالأرواحِ والمعدّاتِ، وعلى الرّغمِ من أنَّ نتائجَ المعركةِ لم تكُن في صالحهِ لأسباب موضوعيَّةٍ قاهرةٍ، وخارجةٍ عن إرادةِ وقدرةِ أيّ قائدٍ عظيم، فقد قدَّم روحَهُ الطَّاهرة فداءً لذلك على أملِ أن يحفظَ أرواحَ أهل الدِّرعيّة من القتلِ والتّشريدِ. ومن المؤسف أنْ نجدَ اليومَ منْ يتبنَّى الرّأيَ القائلَ: إنَّ الإمام عبدُالله بن سُعود كان ينقصُهُ الخبرةَ العسكريَّةَ، والسياسيَّةَ في الحكمِ، وأنّه لم يكن في مستوى كفاءةِ أبيه؛ الإمام سُعود في تدبيرِ أمورِ السِّلمِ والحربِ. والنّاظرُ بعينِ الإنصاف يجدُ في هذا الرأي ظُلماً تاريخياً كبيراً بحقِّ صاحب المجد التليد الإمام عبدُالله بن سُعود، فقد سطّرَ التاريخُ العربيُّ والإسلاميُ للإمامِ عبدالله بن سُعود الكبير العديدَ من الانتصاراتِ السّياسيَّة والحربيَّة، استطاع فيها أنْ يقودَ معاركَهُ ضدَّ جحافلِ الجيوشِ الغازيةِ لبلادهِ بكلِّ شجاعةٍ وبراعةٍ وذكاءٍ وحِنكةٍ وخِبرةٍ، ويُحقّقَ عليهم الانتصاراتِ العظيمة تلوَ الانتصارات، نذكر منها: * انتصاره في معركةِ حصن بخروش على قوّاتِ طوسون باشا سنة (1229ه/1814م). * نجاحه في حِصار قوات طوسون باشا في الخبراء والرَّس (1230ه /1815م). * انتصاره في معركتي قصر البعجاء والشّبيبة على قوّاتِ طوسون باشا سنة (1230ه/1815م). * نزولُه بقوّاته عند ماء الحجناوي بين عنيزة والرَّسِّ سنة (1230ه/1815م): حيث انعقد الصُّلحُ بين الإمام عبدالله بن سُعود، وطوسون باشا على وضعِ الحربِ بين الفئتينِ، وعلى أنْ يرفعَ العُثمانيون أيديهم عن نجد وأعمالها، وأن تمشي السَّابلةُ (المارّة من القوافِلِ وغيرِهم) آمنةً بين الطَّرفينِ من بلادِ الشامِ، ومِصرَ، وجميع ممالكهم إلى نجد، والشّرقِ، وجميعِ ممالك الإمام عبداللهِ بن ُسعود، وكلٌّ منهم يحجُّ آمناً، ووثّقوا ذلك الصُّلح بوثيقةٍ، وسجلٍّ مكتوبٍ. * قيادتُه الباسلة والشُجاعة لمعركةِ الدِّرعيّة العاصِمَة، ومُقاومتُه لحِصارها الغاشم مُدّة (6) أشهر دون كللٍ أو مللٍ أو تهاونٍ، على الرّغم من الظّروفِ القاسيةِ التي كان يمرّ بها جيشه السُّعودي الباسل أمام تفوُّقِ عدوّه عليه بالسّلاح والإمداد والأعوان. قرار دولي ثمَّ إنَّ احتلالَ الدِّرعيّة العاصِمَة كان نتيجةً لقرارٍ دولي عام أجمعت عليه القِوى العالميّة الكُبرى في زمنه، وهي: فرنسا، وبريطانيا، وروسيا، وفارس، والدَّولة العُثمانيةُ، مِن جهةٍ، وأتباعهم من الولاةِ وبعضِ شيوخِ القبائلِ المُجاورةِ للدَّرعيةِ العاصِمَة في الداخل من جهةٍ ثانيةٍ، ولو لمْ يكنْ لحاكمِ الدِّرعيّة الإمام عبدالله بن سُعود ثقلٌ سياسيٌّ وعسكريٌّ واجتماعيٌّ كبيرٌ ومؤثِّرٌ على مصالحِ تلك القِوى العُظمى ومُخططات أطماعها في الجزيرة العربية؛ بحكم خِبرته في السّياسةِ والقيادةِ وحُسن التخطيط، لما كان ذلك الإجماعُ الدّوْليُّ بحتميةِ وأدِ الدَّولة السُّعودية الأولى، ومن هُنا تظهرُ للعيان مكانةَ الإمامِ عبداللهِ بن سُعود (ت 1233ه / 1818م )الكُبرى عالمياً، وقوّتَه، وسدادَ رأيه، وحنكتَه في إدارةِ شؤونِ دولتهِ على الصّعيدِ الداخليِّ والخارجيِّ. أدوار بطولية 2 - دَورُ أمراء أسرة آل سعود في الدِّفاع عن الدِّرعيّة العاصِمَة: أيضاً كان للأُمراء من آلِ سعود الأمجاد دور مُهم في الدَّفاعِ عن تُراب الدِّرعيّة العاصِمَة وأهلِها، وقد بذلوا في سبيلِ ذلكَ أرواحهم الزّكيّة، منهم: الأميرُ فيصل بن سُعود؛ الذي تولّى قيادةَ جيوشِ أخيه الإمام عبدالله بِن سُعود في أكثر من ملحمةٍ حاسمةٍ، كان أهمّها: معركة بِسْل (1230ه/ 1815م) في مواجهة جيش والي مصر محمد علي باشا وقواته الغازية، بالإضافةِ إلى الدِّفاعِ عن أهمِّ المراكزِ الدِّفاعيّة في الدِّرعيّة العاصِمَة؛ لخبرتهِ ومكانتهِ العسكريّةِ. وتقتضي الأمانةُ التّاريخيّةُ ذِكرَ ما قام به إخوةُ الإمام عبدالله بن سّعود بدورٍ فاعلٍ في الدِّفاعِ عن الدِّرعيّة العاصِمَة باتخاذ بعضهم مراكزَ قياديّة في مواقعِ الدِّفاعِ، وهم الأمراء: إبراهيم، وفهد، وسعد، وتُركي، ومشاري، وعُمر، وحسن، وعبدالرّحمن أبناء الإمام سعود بن عبدالعزيز. وقد استطاعَ الأميرُ سعد ابن الإمام عبدالله بن سعود بدورٍ بطولي مُهم في حماية قصر غصيبة، وهو أحد قصور الدِّرعيّة المُهمّة الذي صمدَ حتّى نهاية الحِصار العُثماني الغاشم، ممّا اضطرَّ إبراهيم باشا لعقد صلح منفرد معه. وأيضاً ممّن اشتركَ في تلك المعاركِ الدامية ضد القوات الغازية، وكانوا على رأس القوّات لحماية أبراجها وحصونها، الإمام عبدالله بن عبدالعزيز بن مُحمّد بن سُعود، وابنه الأمير فهد بن عبدالله، والأمير تُركي بن عبدالله بن مُحمّد بن سعود، وأخوه الأمير سعود بن عبدالله، وابنه فهد بن تركي، والأمير مُحمّد بن حسن بن مشاري بن سعود، وابنُ أخيه الإمام عبدُالله بن إبراهيم بن حسن بن مشاري. وتُضيف المصادرُ عدداً آخر من الأمراء كانوا تحت قيادة إخوانهم من البيت السُّعودي التّليد، وهم الأمراء: عُمر بن عبدالعزيز بن مُحمّد، وأخوه عبدُالرّحمنِ، وزيد بن عبدالله بن مُحمّد بن سعود، وأخوه مُحمّد بنُ عبدالله، وابن أخيه فيصل بن تُركي بن عبدالله، وإبراهيم بن حسن بن مشاري، وأخواه عبدالله وعبدالرّحمن، وإبراهيم بن عبدالله بن فرحان، وغيرهم. وكثير منهم -نحواً من واحدٍ وعشرين رجلاً- نال شرف الشّهادةِ أثناء الحِصار. صمود الاهالي 3 - بُطُولات أهالي الدِّرعيّة العاصِمَة وصمودهم: وثّقت المصادرُ التَّاريخيةُ المُعتبرة صمودَ ومُقاومةَ أهالي الدِّرعيّة، أمام هجمات الجيوش العُثمانية المصريّة الغازية، وقد وزّعوا قوّاتهم على مداخل الدِّرعيّة على شكلِ مكامن أو متاريس، وقد كانت كما أوردها ابن بشر كما يلي: * الأميرُ فيصل بن سُعود، وعددٌ من الأمراء، وجمعٌ من الأهالي في بطن الوادي. * الأميرُ إبراهيم بن سعود، ومعه جمعٌ من أهل البجيري والمريح من أهلِ الدِّرعيّة في جنوب الوادي. * الأميرُ سَعد بن عبدِالله بن سعود مع جمع آخر من أهل الدِّرعيّة فوق عمه إبراهيم، وقد كان مع معسكره مدفع أثَّر في العُثمانيين، وأكثر القتل فيهم، وفي خيلهم. * الأمير تُركي بن عبدالله، ومن معه من الأهالي في شاطئ شعيب غبيراء. * الأمير عمر بن سعد، ومن معه على شاطئ شعيب البليدة. * الأمير حسن بن سعود، ومن معه وفرج الحربي، ومن معه من المماليك، وغيرهم في مواقع موالية لعمر بن سعد. * الأمير عبدُالرّحمن بن سعود بين شعيب البليدة، وشعيب كتلة. * الأمير مشاري بن سعود ومعه عدد من أهالي الطريفِ في مسجدِ العيد. * القائد عبدالله بن مزروع، ومعه جمع من أهلِ الدِّرعيّة ومنفوحة، وموقعهم على النّخلِ المعروفِ بالسّلماني؛ يمين الوادي. * الإمامُ عبدالله بن إبراهيم بن حسن بن مشاري، ومن معه من أهل الدِّرعيّة، والمحمل، ورئيسهم مُحمّد العميري، وموضعهم جميعاً عند ناظرة. * شديّد اللّوح من بلدة الصفرة، ومعه عدد من أهل البلدة وأهالي الدِّرعيّة، وقد عسكر في ذروة جبل ناظرة. * الأميرُ سعد بن سعود فيما يلي موقع شديد بين شعيب قليقل وناظرة، وكان معه جمعٌ من أهالي الدِّرعيّة. * حسن بن إبراهيم بن دغيثر، وقد كان معه أخوه علي بن إبراهيم الدغيثر من آل يزيد وجمع من الأهالي، وعبدالله بن سعود وآل الشيبه، ومعهم عددٌ من رؤساءِ البلدِ وأعيانِها وشُجعانِها، وكانوا في شعيب قليقل بين بابي سمحان، وقلعة البلد المُسمى باب الظهرة. 4- من أبطال الدِّرعيّة العاصِمَة: * الإمام محمد بن سعود بن محمد آل سعود. o الإمام سعود بن محمد بن سعود آل سعود. o الإمام عبدالله بن سعود بن محمد آل سعود. o الإمامُ عبدالله بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود. o الأميرُ فيصل بن سُعود بن محمد آل سعود. o الأميرُ إبراهيم بن سعود بن محمد آل سعود. o الأمير تركي بن سعود بن محمد آل سعود. o الأمير عمر بن سعود آل سعود. o الأمير حسن بن سعود آل سعود. o الأمير عبدالرحمن بن سعود بن محمد آل سعود. o الأميرُ سَعد بن عبدِالله بن سعود آل سعود. o الأمير فهد بن سعود بن محمد آل سعود. o الأمير عُمر بن عبدالعزيز آل سعود. o الأمير عبدُالرّحمن بن عبدالعزيز آل سعود. o الأمير محمد بن تركي آل سعود. o الأمير حسن بن تركي آل سعود. o الأمير خالد بن تركي آل سعود. o الأمير فيصل بن تركي آل سعود. o الأمير محمد بن ناصر آل سعود. o الأمير عبدُالرّحمن بن سعود آل سعود. o الأمير مشاري بن سعود آل سعود. o الأمير عبدالله بن إبراهيم بن حسن بن مشاري آل سعود. o الأميرُ سعد بن سعود آل سعود. o الأمير إبراهيم بن سُعود بن عبدالعزيز آل سعود. o الأمير فهد بن تركي بن عبدالله بن مُحمّد بن سُعود آل سعود. o الأمير مُحمّد بن حسن بن مشاري بن سُعود آل سعود. o الأمير فهد بن عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود. o الأمير تركي بن عبدالله بن محمد آل سعود. o الأمير زيد بن عبدالله بن محمد آل سعود. o الشيخ إبراهيم بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب. o الشيخ عبدالرحمن بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب. o الشّيخُ عليٌ بن الشّيخِ مُحمّد بن عبدالوهاب. o الشّيخُ عبدُالله بن مُحمّد بن عبدالوهاب. o الشّيخُ مُحمّد بن مشاري بن معمر. o القائد مُحمّد العميري. o القائد شديّد اللّوح. o القائد حسن بن إبراهيم بن دغيثر آل يزيد. o القائد علي بن إبراهيم الدغيثر من آل يزيد. o القائد فرج الحربي. o القائد عبدالله بن مزروع. o عبدُالله السّراء؛ خازن الإمام عبدالله بن سعود. o عبدُالعزيزِ بن سَلمان آل راجح؛ كاتب الإمام عبدالله بن سعود. o القائد عبدُاللهِ ابن قاضي سدير. o أحمد بن راشد العريني. o القائد مُحمّد بِن أحمد بِن سدحان، صاحب شقراء. o القائد عبدُاللهِ بِن مزروع، صاحب منفوحة. o القائد عبدُاللهِ الهزاني، صاحب الحريق. o القائد حسن الهزاني. o القائد تركي الهزاني. وأبطالٌ آخرون كُثر، لم نستطع الوقوف على أسمائهم *(باحث في السوسيولوجيا والتاريخ السُّعودي)