تأسرك في حديثه عن "الصحافة" لمعةُ الشغف التي تبرق في عينيه، وغيرته المهنية التي تتلبّس دفاعه عنها، فهو برغم إيمانه بأنها "مهنة البحث عن المتاعب"؛ إلا أنّها متاعب لذيذة ومُبهجة، فالتعب والملاحقة الحثيثة للخبر وما وراءه هي مُحصّلة مغرية للصحفي حين يلقي ما على كاهله من متاعب ومخاوف ومخاطرة في بعض الأحيان إلى أن يُنهي مهمّته الصحفية. هذه المتاعب تتحوّل إلى موجة فرح صاخب حين يرى مادته الصحفية الميدانية ممهورة باسمه ومشفوعة بالصور المصاحبة للحدث أياً كان اجتماعياً أو سياسياً أو خلافه. ومع تأكيده على أن الصحافة ليست مجرد وظيفة وإنما مهنة لها تقاليدها ومهاراتها وقيمها الأخلاقية والوطنية وغيرها مما يندرج تحت صناعة الإعلام الرصين الموثوق. رئيس تحرير صحيفة الرياض الأستاذ هاني وفا صحفي وإعلامي عتيد، جمع في عمله الصحافي بين الروح العلمية الأكاديمية وبين الخبرة والدّربة والممارسة؛ فهو حاصل على بكالوريوس صحافة من جامعة الملك سعود عام 1987م وتدرج في العمل الصحفي منذ كان محرراً ميدانياً في قسم المحليات ثم القسم الاقتصادي ثم محرر صياغة "ديسك التحرير" في القسم السياسي فنائباً لرئيس التحرير ثم رئيساً مكلفاً للتحرير. في فعالية "مذكرات صحفي سعودي" التي أقامتها قيصرية الكتاب الاثنين الماضي كان الحضور من إعلاميين ومثقفين على موعد مع تجربة الزميل رئيس التحرير هاني وفا؛ وأدارها الدكتور عبدالله العساف أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الإمام محمد بن سعود الذي استعرض سيرة الضيف. منوهاً بمسيرته المضيئة مذ كان محرراً ميدانياً حتى تسنمه رئاسة تحرير جريدة الرياض، إحدى كبريات الصحف السعودية، لافتاً إلى ذكرى مرور خمسين عاما على إنشاء قسم الإعلام بجامعة الملك سعود؛ ليترك مدير اللقاء الفرصة للضيف للحديث عن بداياته في قسم الإعلام حيث أشار إلى أنه التحق بكلية الإعلام، وانضم لصحيفة رسالة الجامعة التي تصدر عن قسم الإعلام بجامعة الملك سعود، ومنها كانت الانطلاقة، حيث عمل كطالب متعاون في رسالة الجامعة والتي لم يكن لديها مطابع في الجامعة، فتقدم الأستاذ تركي السديري بأقل عطاء حتى تطبع الرسالة في الجريدة، لأنه كان يستهدف طلاب قسم الإعلام لسعودة العمل الصحفي بجريدة الرياض، كي يمزجوا العلم بالخبرة، حتى رأى الأستاذ تركي السديري -رحمه الله- اسمه على الرسالة، وسأل أخيه طلعت وفا الذي كان سابقاً له بسنوات في العمل الصحفي، وعرض بعدها عليه العمل كمتعاون، ليمارس العمل الميداني وهو طالب حتى تخرجه، وتفرغه للعمل الصحفي عام 1407. ذكريات متاعب الصحافة وبسؤاله عن أبرز الخبطات الصحفية التي أظهرها الأستاذ هاني، متى وأين كانت؟ يقول: كانت عام 1988، كان هناك فيضانات في السودان، فطلبت من رئيس تحرير الرياض السماح لي بالسفر إلى هناك؛ لكنه رفض خوفا علي لسوء الوضع، ووسط إصراري وشفاعة الأستاذ سلطان البازعي عند تركي السديري أذن لي وفعلا سافرت، وكنت تقريبا أول صحفي يصل للسودان في وقت مبكر، وكانت الظروف صعبة جدا في السودان، وأصبت هناك بالملاريا، وعند عودتي أصبت بجلطة في القدم نتيجة لظروف الرحلة. ويواصل: لكني لاحقاً اعتزلت العمل الميداني لأني وجد تنفسي في التحرير الصحفي أو ما يطلق عليه "الدسك" الصحفي. الصحافة مهنة لا وظيفة وحول ماذا أعطت هاني وفا الصحافة وماذا أخذت منه؟ يجيب: أنها معادلة صعبة، فهي أعطت وأخذت لكنها أعطتني أكثر مما أخذت، ويضيف: مهنة الصحافة إذا لم تعطها لا تعطيك، وإذا أعطيتها فتحت لك ذراعيها ورحبت بك. والحمد لله أعطيتها الكثير من الوقت والجهد. لكن علينا التنبه لأمر مهم وهو أن الصحافة ليست مجرد وظيفة أو عمل، الصحافة مهنة، والمهنة لها أدوات، لها مفردات وأصول، وبالتالي إذا عشقت هذه المهنة فلن تبخل عليك أبدا، وفعلا لم تبخل علينا أنا وزملائي. السوشال ميديا لا ترقى للإعلام الحقيقي وعن رأيه في الإعلام الجديد، أو الرقمي يؤكد هاني وفا بأن الرياض من أوائل الجرائد السعودية التي وعت هذا الأمر تماما، ويستطرد قائلاً: الأستاذ تركي -رحمه الله- أنشأ قسم الرياض الإلكتروني، وكان هذا بوجود الإنترنت ولكن قبل ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، فالرياض بادرت بإيجاد ذراع إلكتروني مازال موجودا وتطور، وسيستمر بالتطور أكثر. أما عن تأثير الإعلام الرقمي على الصحافة الورقية، هناك صحف إلكترونية موجودة، أما مواقع التواصل الاجتماعي Social media وترجمتها الإعلام الاجتماعي، وليس الإعلام بمطلقه، فهي إعلام بين الناس الأصدقاء والمعارف، والآراء؛ لكنها لا تصل لأن تكون وسيلة إعلامية، لأن أهم ما يميز الوسيلة الإعلامية الصدقية، المعلومة؛ وسائل التواصل الاجتماعي فيها الكثير مما يعتبر مصادر معلومات وهي ليست مصدرا للمعلومات إلا إذا كانت صادرة من حسابات رسمية معتمدة، لكن كأشخاص يدلون بمعلومات فهذا ليس مصدرا للمعلومة. وبالتالي نحن في الرياض أخذنا مسارين: مسار الإعلام الورقي، فمازالت الرياض تصدر يوميا، وهناك الإعلام الإلكتروني عبر الموقع، والحسابات الإلكترونية في كل مواقع التواصل الاجتماعي. وبفضل من الله نغطي جميع المنابر الإعلامية التي نستطيع تغطيتها. الصحافة الورقية باقية وحول معاناة الصحافة الورقية من مشكلات مالية يقول رئيس تحرير الرياض: بالنسبة للصحافة من الصعب ملاحقة الخبر، ولكن ما وراء الخبر، فهناك أخبار يجب أن تنشر، لعدة اعتبارات، ولكن بقية المواد في الصحيفة تعتمد على ما بعد الخبر، على التحليل، والاستقصاء، والتقرير على كل فنون العمل الصحفي، وبالتالي أرى بعض من لا علاقة لهم بالإعلام يتحدثون عن نهاية الصحافة الورقية، ولكن في نفس الوقت نحن دولة من دول العالم، ولا يوجد دولة لا يوجد فيها صحافة ورقية لتتواصل المداخلات من الحاضرين حول مصير الصحافة الورقية ووجود عناصر تدعي انتسابها للإعلام وهي تفتقر لأبسط مقومات الكتابة الصحفية من لغة ومهارات كتابية عديدة يفتقر لها الكثيرون. كما تطرق إلى الفجوة في المناهج بين الدراسة والتطبيق. 2030 تحمل مشروعاً عالمياً ومضى هاني وفا في الإجابات على المداخلين: بندر بن عثمان الصالح، وسارة الرشيدان، وفهد الدايل، والزميل عبدالله الحسني وعوظه الدوسي التي طالت شؤون وشجون الصحافة. ونوه الزميل هاني وفا بالرؤية الطموحة 2030 وتبنيها لمشروع وطني كبير وضخم وعالمي بكل المقاييس، متمنياً أن يواكب هذا المشروع أعلام يواكب حجم مشاريعنا؛ معتبراً أن الإعلام المحلي فهو يظل محليا، ونحن بحاجة لأن نوصل رسالتنا ومشروعنا إلى العالم وهو ما يتطلب وضع خطط حالية ومتوسطة المدى وطويلة المدى، من أجل أن نوصل مشروعنا، فنقول للعالم نحن نفعل ولدينا مشروع، لا يقتصر علينا فقط ولكن على المنطقة ككل، وحتى يصل للعالم. وهذا ما يجب التركيز عليه، أن يكون لنا ذراع إعلامية عالمية قوية. الزميل هاني وفا وبندر بن عثمان الصالح خلال الفعالية لقطة جماعية للحضور