أكدت وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية السيّدة كاترين كولونا، أن المملكة تؤدّي دورًا أساسيًا في المنطقة بصفتها البلد الأكبر في الخليج العربي، من حيث حجمها الديموغرافي، ووزنها في مجال الاقتصاد والطاقة وأهميّتها التاريخية والدينية. وقالت في حوار مع «الرياض» إن رؤية المملكة 2030 تتسّم بالحداثة وتتطلّع إلى المستقبل وفرنسا تدعمها في كلّ أبعادها. وأكدت كولونا على دعم فرنسا الأمني والاستراتيجي المستمرّ للمملكة، مشددة على أن المملكة قوّة تساهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي. وقالت إن إيران عامل عدم استقرار في المنطقة عبر أنشطتها المزعزعة للاستقرار التي تشنّها في جميع أنحاء المنطقة، مؤكدة تصميم بلادها على الوقوف في وجه هذه الأنشطة مع أصدقائها السعوديين. وحول الملف اليمني قالت وزيرة الشؤون الخارجية الفرنسية إن الحوثيين هم المسؤولون عن غياب الهدنة، مؤكدة ضرورة الوصول إلى سلام مستدام، وتبدأ شروط العودة إلى هذا السلام باستئناف المفاوضات السياسية المباشرة بين الحوثيين وحكومة الدكتور رشاد العليمي تحت رعاية المبعوث الخاص للأمم المتحدة. وفيما يلي نص الحوار: الحوثيون يتحملون مسؤولية تعطل جهود السلام في اليمن * هذه زيارتكم الأولى إلى المملكة العربية السعودية، كيف تقيّمون العلاقات الفرنسية السعودية؟ * أنا سعيدة جدًا بزيارتي الأولى إلى المملكة العربية السعودية بصفتي وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية. هذه المحطّة الأولى من جولة تهدُف إلى تعزيز الاستقرار في المنطقة، وسط التوترات المتزايدة. تؤدّي المملكة العربية السعودية دورًا أساسيًا في المنطقة بصفتها البلد الأكبر في الخليج العربي، من حيث حجمها الديموغرافي، ووزنها في مجال الاقتصاد والطاقة وأهميّتها التاريخية والدينية. ترغب فرنسا بمواكبة المملكة في تحقيق رؤيتها 2030 التي أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء. هذه الرؤية التي تتسّم بالحداثة وتتطلّع إلى المستقبل والتي ندعمها في كلّ أبعادها: الاقتصاد من دون شكّ لتنويع اقتصاد المملكة، وأيضًا الثقافة التي يمكن أن تشكّل مصدر تقارب. تشهدُ العلاقات الثنائية الفرنسية السعودية ازدهارًا لم يسبق له مثيل. وهي مبنية على الثّقة والطموح المشترك. فأساسها متين ونطمحُ لتعميقه أكثر وأكثر. مجالات التعاون بيننا عديدة، لكننّي سأركّز على إحداها بشكل رئيسي، نظرًا لأهميّتها وإلى ما ترمزُ إليه في الشراكة الحديثة التي نطمح لبنائها: الثقافة. أصبحت فرنسا الشريك الأساسيّ للمملكة العربية السعودية في مجال الثقافة، من خلال تطوير منطقة العلا مع الوكالة الفرنسية لتطوير العلا AFALULA، التي أصبحت رمزَ التعاون بين بلدينا على الصعيد الدّولي، ذات أبعادٍ ثقافية وتراثية استثنائية. علم الآثار هو ركيزة عريقة ومعروفة لتعاوننا ولكنّه ليس الوحيد: نحن نسعى لتوسيع نطاق هذه الشراكة ليشمل المتاحف والبحوث، مثالًا على ذلك تصميم فيلا الحِجر (Hegra) التي نطمح أن تصبح مركزًا ثقافيًا رئيسيًا على المستوى الإقليمي. تضع فرنسا خبرتها في قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية في خدمة السلطات السعودية، لا سيّما في مجال الأزياء والتصميم والسينما وأيضًا إدارة المتاحف. كما أننا نطمح للإسهام في تنفيذ الفعاليات الثقافية الكبرى في المملكة من خلال المشاركة في المعارض وإنتاج العروض. وأخيرًا وليس آخرًا، أنا اليوم في المملكة العربية السعودية للمضيّ قدمًا في شراكتنا في مجالَي الاقتصاد والطاقة. كما ترون مجالات التعاون بيننا عديدة! وهي تعكُس الطموح الّذي يميّز علاقتنا ويضعُ المستقبل نُصبَ عينيه. * لدى خطة فرنسا 2030 ورؤية السعودية 2030 نقاط مشتركة.. كيف ترون فرص الاستثمار والتعاون بين البلدين؟ * فرص التعاون بيننا كثيرة ومهمّة. توفّر كلّ من فرنسا والمملكة العربية السعودية الوسائل كلّها لتحقيق هذه الطموحات من خلال تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الواضحة. تزخرُ فرنسا بفرص الاستثمارات، والاقتصاد الفرنسي يزدادُ استقطابًا يومًا بعد يوم. وهي لا تزال تحتفظ بمركزها الأوّل منذ سنة 2021 من ناحية عدد مشاريع الاستثمارات الأجنبية المعلنة في أوروبا، للسنة الثالثة على التوالي. العلاقات الاقتصادية بين فرنسا والمملكة العربية السعودية تاريخيّة وقويّة وتشهدُ تطوّرًا مستمرًا. خلال الأشهر العشرة الأولى من سنة 2022، أصبحت المملكة العربية السعودية زبوننا التاسع والعشرين، حيث تقدّمت 6 مراتب مقارنةً بالفترة نفسها من سنة 2021، ومورّدنا الخامس والعشرين، حيث تقدّمت بذلك 7 مراتب! تستقبل فرنسا اليوم استثمارات سعودية في قطاعَي العقارات والفنادق التقليديَين. ونحن نطمحُ لاستقطاب استثمارات أكثر في القطاعات الأخرى. من الناحية الأخرى، توجد حاليًا 130 شركة فرنسية في المملكة العربية السعودية تعمل في قطاعات النقل والطيران والطاقة والطاقات المتجدّدة والمياه والنفايات والنفط والبناء. نحن نتطلّع إلى المزيد. نطمح إلى تعزيز تعاوننا في مجالات اقتصاد المستقبل: المجال الرقمي - مع تقنية سلسلة الكتل blockchain والذكاء الاصطناعي والطاقات المتجدّدة، والشبكات الذكيّة smart grids، وتكنولوجيا الغذاء والفضاء. يجب علينا أن نتأقلم، وأن نستبق التغيّرات التي يمكن أن تطرأ على أنماط استهلاكنا وهنا أيضًا توفير الوسائل الضرورية لذلك. يشكّل سؤالكم فرصةً للتأكيد على دعمنا الأمني والاستراتيجي المستمرّ للمملكة العربية السعودية. نحن نعتبر المملكة قوّةً تساهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي. ويزداد هذا أهميّةً في السياق الإقليمي الّذي يتسّم بعدم الاستقرار المزمن والمُتنامي. عدم الاستقرار هذا لا يؤثّر على الشرق الأوسط وحسب، بل على أوروبا أيضًا. الأوضاع كلّها مترابطة: لدينا مصلحة مشتركة، مصلحة الأمن، لمواجهة هذا الوضع ومنع تفاقمه. أسباب عدم الاستقرار هذا معروفة، يمكننا أن نذكُر منها طبعًا إيران، وأنشطتها المزعزعة للاستقرار التي تشنّها في جميع أنحاء المنطقة. نحن مصمّمون على الوقوف في وجه هذه الأنشطة مع أصدقائنا السعوديين. وثمّة العديد من المسائل الأخرى التي تزيد الوضع خطورةً: تصاعد التوترات في إسرائيل وفي الأراضي الفلسطينية، والفراغ السياسي المستمر في لبنان، عدم الاستقرار وتقلّبات الأوضاع في اليمن بغياب الهدنة، وانهيار الوضع في سورية، التي أصبحت دولة مخدّرات غير متصالحة مع نفسها، ما يجعلُ منها فريسةً لأطماع جيرانها. في هذا الإطار المضطرب، رسالتي واضحة: فرنسا وفيّة لالتزاماتها بجانب شركائها في دول الخليج لصالح أمنهم. وفرنسا مستعدة لتعزيز تعاونها مع المملكة العربية السعودية لحلّ الأزمات الإقليمية ومكافحة بؤَر الاضطرابات في المنطقة. أمامنا فرص لا بدّ من انتهازها لتشجيع الحوار في المنطقة والتخفيف من حدّة الصراعات. لا توفّر فرنسا أي جهد لتعزيز الحوار. وهذا هو تحديدًا المغزى من مؤتمر بغداد 2 الّذي عُقد في ديسمبر الماضي على شواطئ البحر الميّت. إمكانية التعاون بين دول المنطقة كبيرة جدًا، ويجب ان يتحوّل إلى واقع. يجب تشجيع التعاون في هذه المنطقة المضطربة، لمصلحة الجميع، ولمصلحة شعوب المنطقة في المقام الأول. كلمة خاصة عن لبنان، هذا البلد الّذي يكنّ له العديد من الفرنسيين معزّة خاصة، والّذي يؤدّي دورًا محوريًا في المنطقة بتاريخه الخاصّ. يعاني لبنان منذ 31 أكتوبر من فراغ رئاسيّ ومن أزمةٍ اقتصادية لم يسبق لها مثيل. تعملُ فرنسا والمملكة العربية السعودية معًا لدعم الشعب اللبنانيّ. لكننا نسعى لتقديم المزيد لمصلحة الشعب اللبناني - فهو الشعب اللبناني الذي يعاني بالفعل وليس المسؤولين. * ما موقف فرنسا من الملف النووي وخطة العمل الشاملة المشتركة؟ -الوضع متأزّم وتقع مسؤوليته بالكامل على إيران. قدّم المنسّق الأوروبي في أغسطس الماضي الاقتراح الأفضل للعودة إلى التنفيذ الكامل للاتفاق. لم تغتنم إيران هذه الفرصة، لا بلّ ربطَت قرارها بشروط تعلم جيدًا أنها غير مقبولة أبدًا بشأن هذا الملف، المنفصل تمامًا عن القضايا "العالقة" في الوكالة الدّولية للطاقة الذرية. إن التصعيد النووي الّذي تقوده إيران يُضعف هذا الإطار أكثر فأكثر. أعلنت إيران نهاية شهر نوفمبر عن نشاطات قد تؤدّي إلى مخاطر انتشار كبيرة، من دون تقديم أي مبررات مدنية موثوقة. وبهذا، تجرّد إيران خطة العمل الشاملة المشتركة من محتواها وتعقّد العودة إلى الاتفاق. لا نزال نحشد جهودنا لمنع إيران من حيازة أسلحة نوويّة. وننسّق دائمًا مع شركائنا الدوليين، من ضمنهم المملكة العربية السعودية لإيجاد الوسيلة الأفضل للردّ على هذا التصعيد ولإيجاد حلّ دبلوماسيّ للوضع الراهن. على إيران التوقّف عن الهروب إلى الأمام واحترام التزاماتها. للأسف، الملف النووي ليس مصدر القلق الوحيد. إيران تُهدّد بيئتها الإقليمية وتسعى إلى زعزعة استقرارها. هي تتصرّف مباشرةً لدى جيرانها، من خلال ميليشيات تموّلها في المنطقة. وتشهد نشاطاتها المزعزعة للاستقرار ازدياداً. وهذا واضحٌ جدًا عندما ننظر إلى جميع الملفات: النووي طبعًا، والزيادة الهائلة في ترسانة الصواريخ الإيرانية، والطائرات المسيّرة، بالإضافة إلى استخدامها على أرض الواقع، كما في العراق مثلًا. بالإضافة إلى نشر أسلحتها باتجاه روسيا ونحو الجهات غير الحكومية في المنطقة. فتساهم إيران بإبقاء بؤرة عدم الاستقرار الرئيسية هذه. لقد كانت المملكة العربية السعودية ضحيّة مباشرة للعديد من الاعتداءات خلال السنوات الأخيرة التي انتهكت سلامة أراضيها، وهددت المدنيين أحيانًا، حتى أنها أدّت عمدًا إلى تعطيل الاقتصاد العالمي وأسعار النفط. وفي كلّ مرّة، عبّرت فرنسا عن تضامنها مع المملكة. وهذا أمرٌ يتماشى مع شراكتنا. * كيف ترى فرنسا وتقيّم الوضع الحالي في اليمن؟ وكيف ترون دور إيران ودعمها لميليشيا الحوثي؟ * الوضع في اليمن يثير قلقنا، وهذا الهدوء الظاهر لا يخدع أحدًا. غياب هدنة رسمية يزيد من تقلّب الوضع ميدانيًا، ومن عودة الأعمال العدائية في أي وقت. الحوثيون هم المسؤولون عن غياب الهدنة. موقفنا واضح في هذا الشأن. لذا، نحن بحاجة إلى سلام مستدام. تبدأ شروط العودة إلى هذا السلام باستئناف المفاوضات السياسية المباشرة بين الحوثيين وحكومة الدكتور رشاد العليمي تحت رعاية المبعوث الخاص للأمم المتحدة.