ما إن تفتح سيرة العمل إلا وتسمع نبرة من عدم الرضا الوظيفي، تتبعها سلسلة من الحكايات عن الاحتراق الوظيفي والتوتر والقلق وكراهية يوم الأحد والتفكير في الاستقالة أو التقاعد المبكر. أليس مستغربا بالرغم من التطور التقني الذي سهل على البشر مشقة حياتهم المعاشة، ويسر من أعباء مهامهم الوظيفية، أن نسمع من يتذمر من العمل؟. مع الأسف عندما ينعدم "الأمان النفسي" (psychological safety) في بيئة العمل يحولها إلى مكان مسموم مسبب لكافة الضغوطات النفسية، فهذا النوع من الأمان إذا توفر منح الموظفين الطمأنينة وشجعهم على العمل والتواصل دون تخويف، مع الاهتمام بهم وتقدير جهودهم. وقد أظهرت دراسة "حالة العافية النفسية في مكان العمل" أن 81 % من الموظفين المستطلعين تعرضوا لشكل من أشكال مشكلات الصحة النفسية، وكانت الأعراض الأكثر شيوعا التي ذكروها في الدراسة: 52 % الاحتراق الوظيفي، 46 % القلق، 38 % الضغط العصبي. على مستوى الموظفين، كشفت الدراسة أيضا أن 34 % من الموظفين يشعرون بأنهم لا يحصلون على التقدير الكافي بعد الجهد والتفاني الذي يظهرونه في العمل، بينما يعتقد 57 % من الموظفين أن الضغط العصبي الذي يتعرضون له في مكان العمل يؤثر على صحتهم النفسية، في حين أن 36 % من الموظفين يتعرضون لنوع واحد على الأقل من التنمر في مكان العمل. أما على مستوى أصحاب العمل، فقد ذكرت الدراسة أن 52 % من المؤسسات لا توفر أي تغطية خاصة بالصحة النفسية، و82 % من المؤسسات لا تخصص ميزانية لمعالجة مسائل مرتبطة بالصحة النفسية، و78 % من المؤسسات لا تقوم بأي نوع من أنواع المراقبة للصحة النفسية. وكانت الدراسة التي أجرتها مؤسسة "تهون" عام 2022 بالشراكة مع المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية قد استطلعت 4000 موظف، نصفهم من القطاع العام، والنصف الآخر من القطاع الخاص، مع عدد محدود (50) من العاملين في مجال الموارد البشرية. لذلك، فمن المقترح أن يكون لدينا حزمة مبادرات على غرار برنامج "جودة الحياة"، تحت مسمى برنامج "جودة العمل" يدفع المؤسسات في كافة القطاعات إلى تأسيس بيئات عمل صحية ومحفزة. فبرنامج "جودة الحياة" الذي انطلق عام 2018، يرتكز على 10 أهداف استراتيجية، ويسعى إلى تحسين جودة حياة سكان المملكة وزوارها لتعزيز أنماط الحياة الإيجابية وزيادة تفاعل المواطنين والمقيمين مع المجتمع من خلال توفير الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية والسياحية. ومن الممكن أن يركز برنامج "جودة العمل" على مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، منها: (1) خلق بيئات عمل صحية من خلال تعزيز الأمان النفسي وبناء علاقات بين الموظفين قائمة على الثقة والاحترام، (2) تجويد نوعية الوظائف المتاحة في سوق العمل، (3) إعادة تأهيل المديرين على مهارات التواصل والتعامل مع المرؤوسين، (4) الاهتمام بالرعاية الصحية النفسية، (5) التركيز على الموازنة بين الحياة والعمل. فإذا كان برنامج "جودة الحياة" قد جعلنا نترقب "الويكند" بفارغ الصبر، فلعل برنامج "جودة العمل" لو انطلق يحببنا بيوم "الأحد"!