استقبلنا العام الجديد برائحة المطر وعِناق الغيمات وهُطول زخّات الندى على ورود الصّباح، وحوائط الليل البارد المُلهم، كوّرنا بأيدينا كُرات الطّين في دقائق شغب وشغف ونكوص نحتاجه حتى في أرذل العمر، أوراق جديدة وأهداف مكتوبة في أجندة عامنا الجديد، ماذا سأحقق؟ وماذا أُريد؟ وكيف أحصُل على ما أُريد؟ اثنا عشر شهراً مضت من عُمرنا، فارقنا فيها أحباباً للقلب، وكشفنا فيها ذوات الأقنعة، ضحكنا وبكينا وفرحنا وأبجديات كثيرة مارسناها، لكل منا إنجازات حققها وبعض منها فشِل فيها، هي أفكار ومحاولات وجُهد وسعي ولكن الله له قدره وحكمته في عدم الوصول إليها، لا تجعل من قصّة طلاقك نهاية، ولا من خيبة حبيب حكاية، العثرات والأخطاء هي من تصنعك وتقوّي شوكتك بل وتزيدك عُمراً عقليًّا لا يُشترى بثمن، في العام الجديد دع الأشياء الجميلة ترحل معك وحاول إماتة أذى الذكريات السيئة عن طريقك، وحدك أنت من يستطيع أن يجعل عامه مُزهِرا، غني بالإقبال على النجاح والاستفادة من خطايا العام المُنصرم، لن يأتيك المارد لينتشلك من شلليتك، ولن يقودك شخص كل يوم ليُنير عتمتك، فاصنع في عامك الجديد أدواتك وأهدافك ولا تعتمد على صناعة أحد لاسمك، اعتمد على إحساسك وحدسك وحديث عقلك، حان وقت الجرد والفرز لملفّات لا تحتاج إليها، فتمزيقها وتصديرها إلى سلّة المحذوفات هو الحل الأمثل لتحرير ذاكرتك وخزانتك من أعباء لم تستفد منها، علاقة سامّة ابترها، بيئة لا تقدّر وجودك اعتزلها، عمل يسيء إليك اتركه وابحث عن مكان آخر يحتوي مهاراتك، في هذا العام قرّرت أن أُحدث نقلة نوعيّة في اختياراتي وقرارتي وأرفع أولوياتي واستحقاقي لأكسب ذاتي أولاً وثانياً وثالثاً؛ فأنا مسؤولة عن ذاتي فقط، أهدافي، أجنداتي، علاقاتي، اختياراتي، القطار الذي أنهكوا عقولنا به: "فاتك اللحاق به"، قرّرت أن أمِيل عن سكتّه الحديديّة التي لا أعلم إلى أين ستذهب بي، وإن لم يصِل إلي فالله تعالى أراد لي سعادة ستحدث وتجعلني أشكره بُكرة وأصيلا، عام تنبلج فيه خيوط الفجر، وتغادر فيه خفافيش الظلام بإذن الله لي ولكم، القلوب الجميلة لا تصدأ، فهي جميلة في كل عام وتزداد جمالاً بطُهرها في الارتباط، ولُطف وداعها في الفراق، احتفظ وتمسّك إن كان في عامك الماضي صادفت قلباً كالمطر وروحاً كالشّهد.