وإن كنتَ من أبيه وأمه, فلا تجزم أنكما تتشابهان وأنكما لا تختلفان, وأن مكاسبك في الكفة الموازية لمكاسبه, وأن خسائرك تمتد إليه..!! نواميس الخلق الإلهي في البشر تقول غير هذا.. لكنها تقر رابطة الدم, ومنشأ التكوين..! فإن جمعتكما دمعة, وخفقة, وذكرى, وإرث تتفقان في الباعث, ولا تتشابهان التعبير..!! فتفاعل الفرد ذاتياً يختلف بطبيعة فرديته عن غيره, وإن توحد مصدرهما..!! فإن كان هذا مجرى الطبيعة فيكما أبني المصدر والمرجع, فكيف بمن تلتقيان في النوع البشري من مخلوقات الله ذكرا, وأنثى لكنكما ليسا من المصدر الواحد, لا أب يجمعكما ولا أحشاء, لا سقف دار, ولا طبق غذاء, لا فرحة كسب, ولا مأتم عزاء ؟!!.. غير أن رابطة الأبوة لا تقل أهمية عن رابطة البشرية.. فوق الأرض كل يسعى منفرداً متحللاً عن شباك الكل, قدما الفرد ليستا تسيران جسداً آخر, وقلبه لا يعرف مكنونه سواه, ورزقه لا يشاركه فيه غيره, وفكره مضمر بسره, وتكوينه لا يخص غيره, كل سلامة في جسده له وحده, وكل فكرة تلوب داخله مرهونة بمشاعره ومعتقده وحسه, ..!! غير أن الثرى الفسيح الذي جعله الله لكما ولهم لتسيحوا فيه, وأنتما لا تعلمان أين تولدان أو ترزقان أو تموتان هو لكما ولهم.. فكيف يعمر هذا الثرى إن اختلفتما..؟! وكيف ينمو الشجر إن حجز كلاكما مجازا الهواء, والماء, واستوى مدججا بالخلاف..؟! كما يكون السلام بينكما في الدار, وعند الحنين, وفي لقاء الفرح, والترح وأنتما تنسلان من أحشاء واحدة, وتخرجان للبراح عن إرث عجينة مكنونة تستلهم فيكما الحنين, تستحضر لكما البسمة والدمعة, ليكن منكما السلام عاما مشاعاً.. إذ في الحقيقة أن لا من بيده الغيب الذي لكما, ولا من بيده أن يدمج قدمي أحدكما في جسد أحدهم..!! فالسلام السلام, كالمطر.. إنها النقطة المحورية لحاجة الإنسان اليوم.. حين يمكن أحدكما والثاني خيريته الذاتية, بتجاوز نقيضها فيه. فيكون الناس إخوانا على الأرض..!! أيمكن أن تكونا كقطرات المطر من الغيمات ذاتها, تعم الأرض بما فيها, تشيع الرواء سلاما للنفوس, والحياة في الكائنات, وتنعش ما تلامسه.