إن كان هناك مصطلح يسمى «حديثي النعمة» فماذا عن الآية الكريمة (وأما بنعمة ربك فحدث)! استحداث المصطلحات عادة مجتمعية يتم فيها إطلاق مسمى معين لفئة محددة من الأشخاص، ويتم تداول المصطلح وينتشر بشكل كبير حتى يتم معرفة الفئة المعينة بتلك التسمية. ولكن هناك بعض المصطلحات ليست قابلة للإطلاق، أو أنها تكون مضادة لبعض المفاهيم، بل البعض منها قد يتعارض مع بعض الآيات القرآنية. ومن ضمن هذه المصطلحات مصطلح حديثي النعمة، الذي استحدث في فترة قريبة ولدي رغبة عارمة في خوض نقاش حوله؛ يستنير فيه الفكر ويتضح فيه الرأي، معنى مصطلح حديثي النعمة والفئة التي يطلق عليها. بدأ مصطلح حديثي النعمة يطلق على الأشخاص الذين يتباهون بما يمتلكون، إلا أنه فيما بعد أصبح يطلق على الأشخاص الذين كانوا في حال متوسطة إلى فقيرة ويتبدل حالهم إلى ميسور أو غنى، حيث إن الفئة الثانية بعد أن تتيسر أحوالهم ويصبحوا قادرين على اقتناء ما يريدون، يصبح البعض منهم يعرضه متباهيا به سواء كان ذلك التباهي بطريقة غرورية أو طريقة عادية؛ الأمر الذي جعل كل من يرى أحدا بدأ يظهر ما يملكه حتى لو كان لم يتباهى به يطلق عليه «حديث نعمة». والجدير بالذكر أن هذا المصطلح يطلق بدافع التقليل أو السخرية من هذه الفئة، واستنقاصهم بطريقة غير مباشرة.. هل من المنطقي إطلاق مصطلح حديثي النعمة؟ دائما ما كان يراودني هذا السؤال إذ أنني أرى أنه من غير المنطقي أن يتم استنقاص الشخص الذي اختار أن يُري الناس ما أنعمه الله عليه! شريطة أن لا يكون يتباهى به بغرور وتكبر، عدا ذلك فمن حقه أن يتباهى كما يتباهى من هم حوله. فما الضرر في أن يفرح ويظهر فرحه؟ ما الضرر من أن يكون يثبت فرحه ويحدث به؟ فمثل ما كان في وقت حاجته ضعيفا مكسورا قد يخفي وقد يظهر حاجته وضعفه، فليس من الخطأ أن يظهر نعمة الله عليه! قال تعالى في كتابه الكريم: «وأما بنعمة ربك فحدث»، وقد يكون الحديث بالنعمة بشكر الله وذكره كقول وقد يكون بإبدائها كفعل! مع الحرص على عدم المبالغة في ذلك، وقد يكون أخيرا إبداء النعمة والتحدث بها أملا بأن رحمة الله ونعمته ستحل على من يحتاجه لا محالة، وإطلاقك مصطلح حديثي النعمة قد يجعلك محط شفقة! وعلى الصعيد الآخر قد يجعلك تكرار مصطلح حديثي النعمة محط شفقة من قبل من هم حولك! حيث إنك بتكرار تلك الكلمة قد تُظهر نوعا من الغيرة منهم، فإن كنت تمتلك وتكتفي بما لديك لن يضرك ما يظهره غيرك أو يزعجك، للحد الذي يجعلك تطلق عليه مصطلح يقلل منه، وكأنك تود تذكيره بأنه لم يكن يمتلك شيئا وأنه مهما امتلك لا تزال أنت في مكانة أعلى منه. سليم النفس لا يأبه بأفعال غيره، وإن صادف أحدهم من تلك الفئة سيفرح لفرحهم، بأن الله قد رزقهم وأذهب حزنهم.