منذ فجر التاريخ وإلى هذه الساعة والشعوب الإيرانية تعاني من ظلم العبودية والقهر وتعامل بالحديد والنار وهي لم تهنأ بعدالة أو مساواة ولم تذق طعم الحرية إلا لفترة وجيزة عاشتها عقب الفتوحات العربية لأراضي خراسان، ومع تعدد الثورات الشعبية ضد نظام الملالي خلال هذين العقدين وارتفاع حدة شراستها في هذا العام بسبب وفرة وسائل الاتصال إلا أنه يصعب نجاحها بالكامل في قلب نظام الحكم أو حتى بالسيطرة جزئيا على زمام الأمور بدون وجود قيادة موحدة مؤهلة ذات رؤية وهدف تستطيع أن توجه أفرادها وتنظم صفوفها ثم تسعى بعد فرض شرعيتها لاستقطاب دعم أممي ذي قيمة كبيرة يسهم في اجتثاث كل هذا الطغيان والاستبداد. فالنظام الإيراني وإن بدا داخليا ضعيفا ومهترئا وهذا هو واقع الحال إلا إنه يوازن بالحيلة والمكر بين تحقيق رغبات بعض الثائرين وبين استخدامه للقوة المفرطة ونصبه للمشانق في الطرقات ليطيل بذلك الأمد حتى تفتر همم المحتجين المضطهدين فيقدمون على الاستسلام طواعية مثل كل مرة. فمن يحلم بعودة إمبراطوريته كقوة عظمى لن يرضخ بقسوة العقوبات الاقتصادية أو بقرارات الإدانة والشجب بل سيستمر في تصديره للأفكار المنحرفة والمخدرات والسلاح وقتله لمعارضيه في الخارج والتدخل أيضا في شؤون المجتمعات وانتهاك سيادة الدول. وهو لن يهتم مطلقا لبؤس شعبه أو بعدد الضحايا الذين حتما سيسقطون في سبيل تنفيذ هذه الأمنيات وإن كان آخر مساره الرجعي القمعي هلاكه المحتوم كسابقيه من قبل وحال الشاه البهلوي - ليس عنا ببعيد، فالملالي يراهنون على متانة أجندة دعوتهم المشبوهة وعلى عمق أذرع ميليشياتهم الإرهابية في المنطقة بعد وصولهم لأقصى تمدد بضمهم لعدة عواصم عربية وعلى علاقتهم الخفية أو المعلنة بالحكومات المستفيدة من بقاء تهديدهم الإجرامي للسلم العالمي وعلى تقدم برنامج تخصيب اليورانيوم لمراحله الأخيرة ليصبحوا قوة نووية. وأمام تنوع المكون الطائفي الإيراني ووجود العداوات وتباين الثقافات واختلاف المذاهب والأديان وتسلط العرق الفارسي الذي ترسخ في جيناته أمجاد الماضي السحيق وإيمانه أيضا بتفوق جنسه الآري على البقية لا يرى بوادر للتراجع عن قناعاتهم العقائدية المتطرفة إلا بالمواجهة الإقليمية المباشرة ثم بالاقتتال الداخلي لتفتت أجزاء الجمهورية إلى كيانات فئوية أصغر يسهل السيطرة عليها وتنميتها وجميع ذلك لن يحدث إلا عند انتفاء المبرر الأساسي لبقاء العمائم السوداء في قصور مشهد وطهران.