قال الضابط السابق في المخابرات الجزائرية والخبير السياسي وعضو بعثة مراقبي الجامعة العربية في سوريا الدكتور أنور مالك: إن مشروع التمدد الذي ترعاه إيران في تراجع مؤخراً بسبب قرار المملكة الوقوف أمام العبث الإيراني والمتمثل في عاصفة الحزم. ووصف الخبير مالك في حديث صحفي مع "اليوم" ان ما تقوم به طهران هو تنفيذ للمشروع الغربي والصهيوني والصفوي لتدمير الوطن العربي بدعمها للجماعات الإرهابية الشيعية والسنية وسكوت الغرب بأكمله على هذا العبث. واعتبر الدكتور مالك أن ما يثار إعلامياً عن قدرة ايران لا يتعدى كونه الحرب النفسية على من تعتبرهم خصوما ويقفون ضد مشروعها التمددي، وأكد أنه لو تم دعم القوميات غير الفارسية داخل إيران وبخاصة الشعب الأحوازي العربي فان ذلك سيكون بمثابة قاصمة ظهر إيران. وتاليا نص الحوار: إيران تحاول إدراك ذاتها بتحسين صورتها أمام عرب الشيعة خارجياً، والشيعة العرب مضطهدون في الداخل الإيراني .. ألا يثير هذا التناقض استغراباً؟ * إيران تخادع الشيعة العرب لتوريطهم في حروب نجسة مع السنّة العرب، وهذا يأتي في إطار تصدير الخراب إلى العالم الإسلامي عموما والعربي بصفة خاصة. تزعم أنها تحميهم، وها هي تضطهد عرب الأحواز، وتعلق اعواد مشانقهم في الساحات العمومية، وتلاحق المعارضة الإيرانية بكل اطيافها في كل مكان، وعلى رأسها منظمة مجاهدي خلق وهي شيعية فارسية وإن كانت توجهاتها علمانية، ولو تتمكن من زعيمتها مريم رجوي لشنقتها أو اغتالتها في باريس. ويوجد الكثيرون من الشيعة الإيرانيين يعانون الفقر والاضطهاد والحرمان من أدنى حقوقهم، وهذا كله بعيد عن أنظار الإعلام، بسبب القبضة الحديدية التي يمارسها نظام الملالي. يجب على الشيعة العرب في كل الدول العربية أن يستيقظوا من الوهم الإيراني، ويعودوا إلى أوطانهم ويتخلصوا من التبعية لإيران العنصرية، فهي تستعملهم لمصالحها، وستتخلص منهم عندما ينتهي دورهم، ولن يدفع سوى الشيعة العرب الثمن، لأنهم سيفقدون أوطانهم التي خربت بحروب طائفية نجسة، وأيضا لن يجدوا أوطانا بديلة لهم. نظام الملالي في طهران عنصري يكره العرب جميعاً سواء كانوا سنّة أو شيعة أو من ديانات أخرى، ولكنه يستعمل التشيّع لأنه يحقق له ما يريد من اختراق للوطن العربي، وأيضا به يثير نعرات دينية تؤدي إلى حروب قذرة تكون آثارها وخيمة على الإنسان والبنيان والأوطان في العالم العربي. بدأت القوميات غير الفارسية كالعربية والبلوشية والكردية بجهود واضحة داخلياً وخارجياً للحصول على الاستقلال عن هيمنة عمائم ملالي طهران.. هل بدأت فعلاً تهوي عمائم ملالي طهران؟ * حراك القوميات غير الفارسية مثل العرب والبلوش والكرد، يشكل ضربة قوية وتهديدا فعليا وحقيقيا لمنظومة حكم الملالي، ولكن ذلك سيتحقق لو وجد هؤلاء الدعم على المستوى الرسمي العربي وخاصة من الدول التي تتصدى للمشروع الصفوي الإيراني وعلى رأس ذلك المملكة العربية السعودية، ودون وجود الدعم القوي إعلاميا وماليا وسياسيا ودبلوماسيا، ستبقى إيران تنفث سمومها في المنطقة. بنظرة لحال إيران داخلياً وخارجياً.. ما تقديرك لفترة صمود النظام الحاكم حالياً في إيران؟ * لا يمكن أن نحدد المدة الزمنية سواء كانت قصيرة أو طويلة المدى، ولكن إن قلنا إنها طويلة فقد نتفاجأ بحدوث ذلك في زمن قصير جدا، والعكس أيضا. بلا أدنى شك أن حراك إيران الحالي يشبه الأفعى التي تملأ الدنيا فحيحا حتى يظن الآخرون أنها قوية، ولكن في الحقيقة هي في قمة ضعفها وترتعد من الرعب الذي تمكن من أوصالها. المشروع الإيراني في تراجع عكس ما يراه البعض، وخاصة منذ اندلاع ثورة الشعب السوري، وزاد في وتيرة السرعة قرار السعودية خوض عاصفة الحزم ضد ميليشيات إيران في اليمن. هناك أزمات داخلية وخارجية كبيرة تعيشها إيران، لو يتم استغلالها وفق منطق استراتيجي من طرف الدول العربية، سنتفاجأ من سرعة السقوط الحر الذي سيمنى به ملالي طهران. حلم التوسع الإيراني دعا وزير الاستخبارات السابق حيدر مصلحي بلغة مباشرة للتعبير عن نجاح خطوة من خطوات ذلك التوسع بالإعلان وبشكل صريح بأن 4 دول عربية تدار من إيران.. هل تعتبر ذلك رداً على رأيك بخصوص تراجع المشروع الإيراني؟ * ميليشيات إيران تمكّنت لحد ما من خمسة عواصم عربية وليست أربعة، وهي الأحواز وسورياوالعراق واليمن ولبنان، ولكن هذه الدول العربية تشهد ثورات على الوجود الفارسي الإيراني، عكس ما كان عليه الأمر من قبل حيث كانت إيران تنعم في هذه الدول. فالأحواز تتحرك بهدوء وفي سوريا نشهد ثورة مسلحة عارمة على نظام الأسد وميليشياته الإيرانية، والأمر نفسه في العراق الذي لم يهنأ الملالي بحكم شعب يكره إيران حتى النخاع. أما في اليمن فنشهد حربا عربية على الحوثيين وكما نرى "حزب الله" يغرق في المستنقع السوري، وتتصاعد ضده موجة الغضب اللبناني. أعتقد أن إيران تتباهى بميليشياتها في إطار حرب نفسية على خصومها، والحقيقة أنها تعيش رعباً حقيقياً على ما يجري في سورية والعراق واليمن والأحواز وحتى لبنان، ولذلك تتصرف بعشوائية فهي إن لم تستعد سيطرتها على هذه الدول ليستمر تمدّدها بهدوء، فهي ستعمل على تخريب ما تبقى من الخراب وتلك غايتها الأساسية من تصدير ثورة الخميني. ويجب ألا نغفل عن أمر هام أنه في الوقت الذي تعيش إيران حروبا في الدول التي ذكرنا، فإنها تتمدد بهدوء في دول أخرى وخاصة المغرب العربي الكبير، حيث كثفت في الآونة الأخيرة من اهتمامها بالجزائر، وكأنها تريد تعويض خسارتها لسوريا وغيرها. إيران هدفها تخريبي فقط فهي إن خسرت منطقة ستقفز نحو أخرى ولن تغادرها إلا بحرب مدمرة للعرب سواء كانوا شيعة أو سنة، ولا يوجد بديل عن اسقاط حكم الملالي الذي كلما طال عمره توسعت مخاطره التخريبية. "العراق.. عاصمة إمبراطورية إيران الجديدة" مقولة أطلقها مستشار الرئيس الإيراني لشئون الأقليات علي يونسي، ما مدى دقة هذه المقولة على أرض الواقع؟ * ليس لهذا الحد، فالعراق يعيش في حرب واضحة بين السنّة والشيعة، لم ولن يتحقق الحلم كي تغدو بغداد عاصمة الإمبراطورية الفارسية الجديدة، والتصريحات المذكورة تأتي في إطار حرب نفسية ضد أعداء المشروع الإيراني ولتشجيع واغراء شيعتها من كل العالم فقط. نرى جمهورية الملالي تمكنت من العراق، وسوريا، لبنان ومحاولات تم ردعها في المملكة العربية السعودية في البحرين واليمن، بالمقابل لا يوجد موقف دولي لردع ما تقوم به خارجياً.. وحتى داخلياً، وأعتقد انه لولا أن بدأت المملكة العربية السعودية بعمليات عاصفة الحزم.. لما تحركت أي دولة. ما تأثير عمليات عاصفة الحزم على إيران ومشروعها التمددي؟ وماذا أضافت تلك الخطوة على موازين القوى الإقليمية والعالمية؟ وهل ترى نهاية وشيكة لسيطرتها على العراقوسوريا ونهاية حزب الله في لبنان؟ * كما ذكرت من قبل أن عاصفة الحزم شكلت منعطفا قويا في مسار مواجهة المشروع الإيراني على المستوى الرسمي العربي والدولي، وقد أرعب فعليا ملالي طهران وهزّ أركان حكمهم، وأعاد تمددهم خطوات إلى الخلف، بل شجّع على أمور كثيرة. لكن لا يكفي ذلك، فيجب على الدول العربية التي تتصدى لمواجهة المشروع الإيراني أن تتحرك في كل الدول التي تمكنت منها إيران وعلى رأسها سوريا، فإن كان ذيل الأفعى الإيرانية في اليمن فبطنها في سوريا وأطرافها في لبنانوالبحرين والكويت والعراق أما رأسها فهو بالأحواز. نحتاج إلى عاصفة حزم في كل العالم العربي والإسلامي، وهذا لن يتحقق إلا باصطفاف رسمي عربي ضد إيران، وأرى أن المملكة العربية السعودية تقوم بأدوار مهمة للغاية، وتحتاج إلى أن يصطف الجميع خلفها، فمواجهة المشروع الصفوي عبر طرق انفرادية لن يخدم سوى خامنئي وعصابته. المذهب الشيعي على الطريقة الإيرانية وصل إلى مناطق من الجزائر وتونس، هل تعتبره تعويضا لفشل مشروعها في اليمن؟ * التمدد الشيعي في الجزائر بلغ ذروته وهو في تصاعد مستمر، وبعدما كان الشيعة الجزائريون يخفون تشيّعهم صاروا حاليا يجاهرون بذلك بل بينهم من يطالبون بالاعتراف الرسمي بهم كطائفة، الأمر نفسه بالنسبة لتونس حيث تشهد نشاطا إيرانيا كبيرا منذ عهد الرئيس الأسبق بن علي ولا يزال مستمرا. أما الحكومة العراقية فهي طائفية بامتياز وتتحكم فيها إيران تحكما كاملا، وللأسف هذه الحكومات المتعاقبة في بغداد منذ سقوط نظام صدام حسين هي ملالية وتابعة للولي الفقيه خامنئي. أعتقد أن إيران تسابق الزمن لتعويض ما خسرته في سوريا وما ستخسره في اليمن وغيرهما وذلك بتمددها في أفريقيا عموما ودول المغرب العربي الكبير. فالتركيز قائم على الجزائر والسفارة الإيرانية تنشط استخباراتيا وثقافيا ودينيا في وضح النهار للاسف الشديد. والمتابع لهذا التمدد يدرك أن الحلم الإيراني لم يعد يمتد من بيت خامنئي إلى الضاحية الجنوبية في لبنان، بل صارت تعمل كل ما في وسعها كي يكون امتداده من طهران إلى وهران في الغرب الجزائري. إيران واسرائيل في صراع إعلامي شبه يومي منذ سنوات.. ولم يتجرأ أحدهما على التقدم خطوة واحدة في تنفيذ تهديداته بإنهاء الآخر.. من يرعب الآخر؟ * الصهيونية والصفوية وجهان لعملة واحدة، وواهم من يزعم عكس ذلك، والصراع الإعلامي الظاهر هي سياسة خداعية فقط، فما يجري بين الأجهزة الاستخباراتية من تنسيقات وتحالفات لا يمكن وصفه، وهذا هو الأهم في السياسة الصهيونية. أجزم بأن "إسرائيل" لن تتجرأ عسكريا على إيران ولا على حلفائها مثل نظام الأسد، الذي لو لم يكن يخدم الكيان العبري ما حماه اللوبي اليهودي في كبرى العواصم العالمية. كما ان إيران لن تتجرأ على "إسرائيل" أيضا. حتى حرب 2006 كانت لصالح الصهاينة، الذين نجحوا بفضل "حزب الله" في تأمين الحدود مع لبنان بقوات اليونيفيل الدولية، فبعدما كانت تلك الحدود ترهق حكام تل أبيب سواء على المستوى الأمني بسبب تسلل المقاومين الحقيقيين، أو حتى التكلفة الاقتصادية. لكن بفضل "حزب الله" تم تأمين تلك الحدود وعلى حساب غيرها، وهكذا صارت "إسرائيل" تحمي حدودها على حساب خزينة مجلس الأمن وليس على حساب خزينتها، كما أن "حزب الله" صار يحمي المنطقة التي يسيطر عليها ويمنع تسلل المقاومين. وهكذا صارت قوات "حزب الله" وقوات "اليونيفيل" هي من تحمي أمن "إسرائيل" على غرار الجولان، أما القوات الصهيونية فهي مرتاحة كثيراً جدا منذ 2006، وللأسف يوجد من الأغبياء ممن يرون أن حسن نصر الله خدم المقاومة ويهدد الكيان الصهيوني.