«نهاية الصحراء» رواية صادرة عن دار (نوفل/هاشيت أنطوان)، يقول المؤلف سعيد خطيبي: في الجزائر العاصمة، ينتصب «مقام الشّهيد»، ذلك المعلم التّاريخي الذي يُحيلنا إلى حرب التّحرير، والذي دُشن في النّصف الثّاني من ثمانينات القرن الماضي، أي عقب ربع قرن من الاستقلال، فصار رمزاً للمدينة وللبلاد بأكملها، صورته طُبعت في البطاقات البريدية وتتداولها المحطّات الفضائية كلّما همّت بالحديث عن الجزائر، غالباً ما يأتي الحديث عنه متّصلاً بحديث عن الماضي، لكنني من جهتي شُغلت بسؤال آخر: لماذا تأخّرنا ربع قرن قبل أن نُدشّن نصباً يستحضر ثورة التّحرير؟ إذا كان مقام الشّهيد كتلة إسمنت نرجو منها تخليد تاريخ، فقد أردت أن أكتب «نهاية الصحراء» كي يصير ذلك المقام نصّاً، أليست الحكاية من يحرّر الأمكنة من صمتها الجنائزي؟ بما أن ذلك النّصب صمّم بشكل ثلاث سعف نخيل، فكّرت أن أكتب عن الجغرافيا التي أتت منها تلك السّعف، أي الصّحراء في جنوب البلاد، فقد تعوّدنا في الجزائر أن الأضواء كلّها مركّزة على عاصمة البلاد والمدن الكبرى، ونادراً ما نهتمّ بما يحصل في الهامش، في تلك المناطق البعيدة، التي كلّما زاد بعدها عن المركز زادت عزلتها، إذن فهي رواية في تأريخ الرّبع القرن الأوّل من الاستقلال، مع ذهاب وإيّاب إلى حقبة حرب التّحرير، نظراً إلى أن ما يحصل في الجزائر إلى حدّ السّاعة له جذور في حقبة الخمسينات، ثم هناك أشياء أخرى طرأت لن نفهمها إلاّ إذا عدنا إلى السّنوات الأولى التي تلت الاستقلال، بناءً على ذلك الخيار، شرعت في الكتابة، انطلاقاً من همّ ذاتي أيضاً، كمثقّف جزائري كنت معنيّاً بالبحث عما حصل من وقائع جعلتنا نُقاسي الحياة في الوقت الحاضر، ماذا جرى من أحداث أودت بنا إلى هذه المسلّمات والمحرّمات التي نتداولها فيما بيننا كلّ يوم؟ في طريق البحث عن هذا التّاريخ المغيّب، أدركت كما يدرك القارئ كذلك حجم الشّبه بين حالنا في الجزائر وحال مجتمعات عربية أخرى، فبين الخمسينات والثّمانينات، لم تكن الفوارق كثيرة، كنّا نعيش حالة قلق ممزوج بخوف من أن نُخطئ الطّريق، كنت أكتب عن الجزائر كما لو أنني أكتب عن جغرافيات مجاورة، فالتّاريخ إنّما عجلة من التكرار، نحاول كلّ مرة تفادي النّظر إلى هذه الحقيقة والقفز عليها، فنصطدم بحاضرنا. في هذه الرّواية كنت معنياً بالتّفاصيل الإنسانية، بمآل ذلك الفرد الذي يحيا بعيداً عن الأنظار، أولئك النّاس الذين لا يعرفون سبيلاً إلى التّلفزيون، لا ترد أسماؤهم ولا صورهم في الصّحف، انشغلت بقصص إنسانية من شأنها أن تتقاطع مع قصص آخرين في بقاع أخرى. تنطلق «نهاية الصحراء» من مقتل مغنيّة شهيرة، وقتل مغنيّة إنما تفصيل رمزي، يقصد منه قتل بقعة الضّوء، بقعة الجمال المتاحة، منذ تلك اللحظة تشرع تحريّات سوف تفيدنا في تقليب تربة التّاريخ، فيجد القارئ نفسه إزاء قراءة مغايرة لما عرفته الجزائر منذ الاستقلال إلى غاية تدشين «مقام الشّهيد»، وما بعده بقليل. هي كتابة متخيّلة، تحاول فهم ما جرى من منظور الحكاية، التي تتقاسم بطولتها الشّخصيات كلّها بالتساوي فيما بينها، في خيار فنّي يتماشى مع مفهوم «مسرح الحلقة»، هذا النّوع من المسرح الذي تكرّس في الجزائر والمغرب وتونس، قبل قرون، ويعدّ بطاقة هوية فنيّة لتلك البلدان. إذن هي كتابة روائيّة تستعيد إرث الأجداد في فهم ما وقع للأحفاد، استنزفت منّي جهد ثلاث سنوات ونيف، بإيقاع عمل يوميّ، قبل أن أحوّلها إلى النّاشر في دار (نوفل/هاشيت أنطوان).