على مدى فترة طويلة من الزمن تباهت السويد بأنها مفتوحة للأفكار والتجارة وللأشخاص من جميع أنحاء العالم. وطوال عقود، وفرت ملاذاً آمناً لمواطني تشيلي الذين فروا في عهد الرئيس اوجستو بينوشيه (من عام 1973 وحتى 1990)، والإيرانيين بعد الثورة الخمينية والبان كوسوفو بعد الحرب في منطقة البلقان. وجاء في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إنه عندما اندلعت في سورية حرب أهلية ما أدى إلى نزوح على نطاق واسع أصبح في الفترة 2015- 2016 أكبر أزمة لاجئين تواجهها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، فتحت السويد أبوابها حيث استقبلت عددا من طالبي الجوء أكبر من أي دولة أخرى في المنطقة. ونقلت بلومبرغ عن شخص نيجيري يدعي شينيدو قوله إنه عندما وصل في عام 2018 للإنضمام إلى عدة مئات الآلاف من الأفارقة في السويد البالغ تعداد سكانها عشرة ملايين نسمة، اعتقد في البداية أنه سيجد المجتمع المتسامح الجامع الشامل الذي كان بانتظام قرب قمة التصنيفات العالمية لجودة الحياة والسعادة. ولكنه قال إنه وأسرته سرعان ما تعرضوا للعنصرية، ففي المدرسة كان الأطفال يصرخون في وجه أطفاله ويطالبونهم "بالعودة لبلادهم" ويصيحون قائلين إن "السود لاينتمون لهذا المكان". وأضاف شينيدو أنه شعر بأنه أكثر قلقا بعد المكاسب التي حققها حزب "الديمقراطيون السويديون" اليميني المتطرف في الانتخابات العامة التي جرت في شهر سبتمبر الماضي. وقال أشخاص آخرون من سورية ورومانيا وأفغانستان في مقابلات أنهم تعرضوا لسلوك متعصب وعبارات السخرية ولما هو أسوأ من ذلك، ولم يكونوا جميعا على استعداد لسرد قصصهم لنشرها خوفا من التعرض للانتقام. ويعيش كل هؤلاء الأشخاص في "كليبان"، وهى بلدة محاطة بمزارع تبعد ساعة بالسيارة عن "مالمو" جنوبي السويد التي أصبتح معقلا لحزب "الديمقراطيون السويديون". وقال قس من نيجيريا إنه فاض به الكيل لدرجة أنه رحل ويعمل في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن حيث الاندماج في المجتمع أكثر سهولة. ورغم أن حزب "الديمقراطيون السويديون"، الذي له جذور نازية جديدة، ليس رسميا في الحكومة، فإنه القوة الأكبر في الائتلاف اليميني، وللمرة الأولي يتمتع بنفوذ كبير على السياسات الخاصة بكل شئ من الطاقة إلى الرعاية الصحية. وقبل رئيس الوزراء أولف كريستيرسون نهج حزب "الديمقراطيون السويديون" المتشدد بشأن الهجرة مقابل الحصول على دعمه في البرلمان. وتولت السويد اعتبارا من الأول من الشهر الجاري الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي. ويحكم اليمين المتشدد بالفعل في إيطاليا وبولندا والمجر ويقود بالفعل المعارضة في فرنسا، مما يجعل السويد جزءا من إتجاه اوسع نطاقا في قارة أوروبا فرضته الضغوط الديموغرافية والمالية المتزايدة. ولذلك يواجه كريستيرسون مهمة صعبة تتمثل في تحقيق التوازن خلال رئاسة السويد لمدة ستة أشهر للاتحاد الأوروبي في وقت تتعرض فيه وحدة أوروبا لضغط نتيجة أكبر نزاع مسلح منذ عام 1945 واحتمال فرار المزيد من الأشخاص من أوكرانيا. وألقى حزب "الديمقراطيون السويديون" باللائمة على الوافدين الجدد بالنسبة لارتفاع معدلات الجريمة بالسلاح وظهور فجوة تتسع بين الأغنياء والفقراء، ورغم القوة الاقتصادية التي تتمتع بها السويد، تتزايد المخاوف في الشارع مع سوق إسكان ينهار وتعرض البلاد لخطر السقوط في واحدة من أسوأ حالات الركود بين دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27. ووفقا لتقرير حديث أصدره فرع منظمة "أنقذوا الأطفال" غير الربحية في السويد، يتعرض طفل له خلفية مهاجرة من بين كل أربعة في جميع أنحاء البلاد لإساءة أوهجوم عنصري بسبب لون بشرتهم أوديانتهم. وتظهر أحدث البيانات أن جرائم الكراهية التي تم الإبلاغ عنها ارتفعت في عموم البلاد بنسبة 20% في العقد حتى عام 2018. وتم توثيق أكثر من ثلاثة آلاف حالة في عام 2020، رغم أن الرقم الحقيقي أعلى لأنه لا يتم الإبلاغ عن الكثير من الحوادث. وذكر يوناس لومان، رئيس الفرع المحلي لحزب "الديمقراطيون السويديون" إنه لاتوجد أي دراسات تثبت أن كراهية الأجانب أوأي شكل من أشكال العنصرية قد زاد في "كليبان"، قائلا إنه بدلا من ذلك، ربما تكون هناك وجهة نظر عامة بان الاندماج قد فشل وهناك حاجة لمعالجته". وفي إحدى مدارس" كليبان"، ثلث الطلبة البالغ عددهم 400 لهم خلفية مهاجرة. وقالت مديرة المدرسة ماري جاردبي أن خطاب كراهية الأجانب والمعلومات المضللة منتشرة على وسائل التواصل الأجتماعي، وأن النقاش الوطني يصل إلى أروقة المدرسة. وأضافت جاردبي أن العمل على تشجيع التفاعل بين الطلبة "أحد أهم مهامنا". وتحاول المدرسة القيام بذلك في دروس منتظمة ومن خلال جلسات حوارية منظمة. ويرسل المجلس البلدي أيضا مسؤولين تابعين له إلى المدارس للحديث عن هذه القضايا. وبشكل منتظم ما تحدث توترات عنصرية بين المجموعات والأفراد تسفر في المقام الأول عن هجمات لفظية ومشاحنات بدنية متبادلة. وقالت وزيرة المساواة بين الجنسين في السويد بولينا براندبيرغ، إن حكومتها سوف تتبع خطة وطنية مطبقة منذ عام 2016 لتوعية الأشخاص ومنع خطاب الكراهية على الإنترنت ودفع النظام القانوني لمكافحة جرائم الكراهية. وأضافت "من الواضح بجلاء أن العنصرية موجودة وإننا نحتاج في الحقيقة لعمل شئ ما حيالها وأن نكون في وضعية الهجوم".