منذ 2020 كشفت الأزمات المتتالية التي هزت أرجاء العالم على جميع الأصعدة قوة أو هشاشة المنظومات البشرية، من الدول إلى المنشآت الصغرى. لو أخذنا مثالا اقتصاديا واحدا فسوف يبدو من شدة ترابطه كأحجار الدومينو، إذ رأينا أثر النقص الحاد في إنتاج الرقائق الإلكترونية عالميا مع بدء الجائحة، خاصة مع ازدياد الطلب على أجهزة الحاسب المحمولة خلال فترات الحظر لتمكن الناس من العمل عن بعد، في الوقت الذي احتكرت بعض الشركات إنتاج الرقائق، وأغلقت شركات أخرى مصانعها احترازيا، وارتفعت مع كل ذلك تكاليف الشحن بسبب توقف حركة الطيران! على مستوى المؤسسات، تفاعلها مع الأزمات يعكس تركيبتها الداخلية، والأسس التي بنيت عليها، وشكلتها إلى أن وصلت إلى المرحلة التي تدار بها حاليا. فالمؤسسات التي انهارت أو تعثرت دفعت مجالس الإدارات إلى التساؤل عن مستوى القادة الذين يديرون كياناتها، هل جرى تقييم أدائهم بشكل صحيح؟ وهل أولئك القادة معذورون لأنهم واجهوا تحديات تعفيهم من تحقيق النتائج المرجوة؟ في كتابه "تهديدات كبرى: عشرة اتجاهات خطرة تهدد مستقبلنا، وكيف ننجو منها" المنشور مؤخرا، يكشف المؤلف نورييل روبيني، المخاطر الجسيمة على الاقتصاد العالمي، وهي: (1) أزمة الديون، (2) فخ الإنقاذ، (3) القنبلة السكانية الموقوتة، (4) مشروعات المال السهل الذي يؤدي إلى دورات الازدهار ثم الانهيار، (5) التضخم المصحوب بركود اقتصادي، (6) انهيار العملات والزعزعة الاقتصادية، (7) إغلاق الحدود وإزالة العولمة، (8) الذكاء الاصطناعي وتدمير الوظائف، (9) الحرب الباردة الجديدة، (10) الكوارث المناخية والجوائح العالمية. ويقول الخبير الاقتصادي الأمريكي، الذي يلقب ب"د. قيامة" بسبب تصوراته المستقبلية التي يرى فيها البعض سوداوية، أن هذه التهديدات مترابطة فيما بينها، وتنذر بنشوء كوارث اقتصادية لم يشهد لها البشر مثيلا إذا لم يسارعوا إلى اتخاذ أقصى التدابير. لذلك، فمن المتوقع أن يكون العام 2023 عاما تتم فيه تغييرات إدارية على مستوى المؤسسات للبحث عن قادة بمواصفات خاصة لمواجهة الأزمات والتحوط لها، إنهم فئة استثنائية من القادة ليسوا أولئك الذين لا يهمهم سوى عروض "بوربوينت"، ومؤشرات الأداء، وتحقيق النتائج دون مراعاة لمتطلبات الفرق التي تعمل معهم ليل نهار لتنفيذ قراراتهم أو ترجمة خططهم على أرض الواقع، وإنما قادة قادرون على اتخاذ القرارات السليمة، والتمتع بالذكاء العاطفي الذي يستخدمونه لضبط أساليبهم وتعاملاتهم وفقا للظروف المحيطة. قادة لا يتنازلون عن "إنسانيتهم" في التعامل مع موظفيهم وعملائهم، يتمتعون بالقيادة الأخلاقية التي تُعرف - وفق الأدبيات - على أنها عملية تأثير يمارسها القادة لحث الآخرين على تحقيق الأهداف المنشودة، من خلال الالتزام بسلوكيات تتميز بسمات أخلاقية، بقصد تحسين وتعزيز السلوكيات والأخلاقيات في العمل. ومع الأزمات الحالية والمقبلة، لن يكون بوسع المؤسسات أن تجامل أحدا عند التعيين في المناصب القيادية، ولن يكون بوسع القادة أن يتجاهلوا البشر ممن حولهم!