يمثل الفنان «فيصل الخديدي» قوة دفع وإرادة تغيير في المشهد البصري السعودي، وخاصة في مجال التصوير، وتوليف الخامات، بما يصدره من أطروحات، وخطابات بصرية فنية وتعبيرية، وإرهاصاً مهماً وعاملاً محفزاً لإثارة الاتجاه المفهومي في الفن البصري، بما تضمن من تكوينات حداثية تتسم بالديناميكية، منطلقها الفكري هو إرثاء لغة جديدة مصبوغة بتحليل عميق وفهم واعٍ لماهية وعلاقة الفنان بالمحيط الذي نشأ فيه واستقى منه رموزه وأفكاره البصرية الحالمة، لتدشين أثيرية حالمة تشحذ دعم إضفاء الجانب السحري أسطوري الطابع. بأسلوب مفعم بالعاطفة والخيال مقابل العقلانية كاتجاه يخالف البحث التقليدي عن القيم الجمالية في الخلق الفني، لينتقل تعبير الفنان من العالم الخارجي إلى ذلك العالم الداخلي بكل إمكاناته الروحية والخيالية. إنه التنوع الانتقالي، نتاج علاقة الفنان بنفسه وبذاته المحيطة، والتي تسهم إيجابيا في إبداع صياغات وحداثة بصرية، وقوالب فنية متفردة ذات أبعاد بصرية تحتضن عبق التاريخ وأصالة الحداثي المعاصر، والتي تكتسي بهوية عناصر ومفردات تصدر وضوح الفكرة وأصالة المفهوم، والتي تجذب بدورها الفعل التجاوبي لدى الجمهور المتلقي وتعزز تفاعله وارتباطه بطاقة العمل وترميزاته التجريدية، من خلال دروب طرح المضمون المفاهيمي للعمل الفني، وما يتضمنه من معانٍ كامنة ورسائل أدبية موجزة حداثية، والاعتماد على الإشارات والرموز العاطفية الخفية. وعند مقارنة تجربة «فيصل الخديدي» بالأسلوب التقريري والملتزم للأعمال الفنية التي أبدعت لتقوم بنوع من الاتصال الموجه إلى شرائح من الجمهور وأفراد معينين، نلاحظ مدى تحدث تلك الأعمال برسائل فنية موجزة، ولكنها محيرة ومعقدة ومليئة بالملاحظات والتجاوب والتفاعل في الوقت ذاته. وبحثاً عن زوايا محورية تبلور التجربة المفاهيمية للفنان، تم صياغة عدد من الأعمال الفنية الحداثية ارتكلت فى توجهها المفاهيمي إلى منظور متفرد، حيث جاءت فيها أعمال الفنان "فيصل الخديدي" من خلال توليد الحوارية العاطفية ماهية المفهوم في العمل الفني وقيمة الديناميكية، والشاعرية التي تعكس مدى القدرة على ترجمة الأفكار عبر تحكم أدائي يميز ثقافة الفنان وثراء الفكرة، والتدليل القوي على رؤية الفنان والإداري والإنسان المثقف القارئ والمطلع الواعي في اتجاهات وواقع الفن البصري الحداثي ومفهوميته، من خلال التأمل والاستبصار الذاتي وطرق الإفصاح عن مكنونات ذاته الداخلية والغوص في داخله الجواني والإبحار في عمق تجاربه وخبراته، والتنقيب في مكنوزاته الداخلية، بهدف الإفصاح عن عوالم وخبرات داخليه، وترجمتها إلى لغة حداثية متفردة ذات أبجديات خاصة، تنحو عن المعالجات البصرية السائدة في المشهد البصري السعودي، وتتفرد بطرق التعامل مع الخامات والوسائط لتمثيل الأفكار بصريا، ليشكل التعبير والصدق والحداثة السمات التي تلخص حروف وتجربة الفنان ولغته، وتصدير حلول المساحات والكتل التي تنحو بعيداً عن المعاني المقروءة، ليحلق بذلك الفنان من خلال مفهوم يفند قدرة خاصة حول استيعاب تعاليم الحداثة التي تعزز حلولها البصرية، وتثري وسائط التعبير. وطرحت عدة أعمال فنية لدى "فيصل الخديدي" توجها مفهوميا خاصة في معرض النوافذ مؤسس على تعطيل (الواقعي – العرفي – الاحتمالي) أي إلغاء الخاصية التوصيلية التي تربط بين (الفن والشيء)، بين (الدلالة الشكلية والمدلول الذي يستنطقه الوعي الجماعي خارج إطار الشكل، للوصول إلى حالة شديدة الالتباس خاصة حينما يجد المتلقي نفسه أمام أعمال فنية أخذت على عاتقها مسؤولية الإخفاء أو التلاشي لمفردات ومعاني رمزية شائعة ومستقرة في وعي الجماعة. فحينما يقوم الفنان بتحرير الدلالات القديمة من سياقها العرفي وتغيير مدى الحقيقة الحسية التي كانت محض يقينية، بهدف مشاهدة هذه المفردات مجردة من موضوعها كعلامات بصرية مجردة، عبر منظومة اتصال جديدة، مع توجيه حركة العين على سطح الأعمال الفنية وفق أولوياته التشكيلية والتعبيرية، وتبعاً لقوة تأثير اتجاهات الخطوط والعناصر داخل هذه الأعمال، وتحقيق نوع من العمق الديناميكي. لقد احتفت أعمال الفنان "فيصل الخديدي" بفعل التلخيص والتجريد المفاهيمي الذي يؤطر المشاعر والأحاسيس، وطرق استلهام المفردات التي تمثل "الحروف والكتابات وزخارف عبق التراث المحلي الملهم" كتجهيز لعوالم خاصة متفردة تتحاور فيها عناصر ذات هوية وجذور محلية تنبع من الأعماق، ومدى اتساق ذلك مع فكرة الفنان حول الموجودات في صياغات حداثية، تعلي من قيمة الوسائط والخامات المستخدمة، والتقنيات الأدائية التي تساعد على إثراء الرسالة، وعدم تعطيل تلك الممرات التي تتدفق من خلالها الأفكار غير المتوقعة. وقد وظف الفنان التقنيات الملمسية واللونية عبر منهجية فكرية خاصة داعمة لمفهوم أعماله، ليستهدف بها كفنان مثقف واعٍ مثل الرمزيين الذين يقومون بتوظيف العائلات اللونية ودرجاتها وشداتها اللونية، وترويضها تشكيليا وفق أنساق خاصة يتم منها استدعاء حالة شعورية مماثلة لما تثيره في نفس ووجدان الملتقي قصيدة من الشعر أو قطعة من الموسيقى، أو فكرة تصميمية، للتعبير عن حقيقة روحية مطلقة، ليصبح اللون لديه حالة متجردة من سياقها التمثيلي لصالح المغزى والصور العقلية، وفي هذه النوعية البهيجة من الملصقات تلعب الخطوط اللينة والمجموعات اللونية المتوافقة دوراً حيوياً. وكمثل الروائع الفنية الحقيقة التي لا تظهر إلا في ظروف شديدة الحميمية والخصوصية، انطلقت تجربة الفنان "فيصل الخديدي" من الطائف كمحرك فكري لرسم ملامح بداياته ولغته البصرية، ونسج تكوينه الفكري والفني، وتحوله من النمطية إلى قالب فني مفاهيمي وتعبيري يتمتع بسمات فنية جمالية وتقنية، مشحون بعواطف وانفعالاته لتفجير المشاعر، والوصول إلى صدى بصري يظل عالقاً في الأذهان لفترات طويلة، وتشكيل القدرة نحو طرق الأداء وتأصيل مقومات التحكم على أدواته ووسائطه، وتشخيص المعطيات المادية والفكرية من خلال شخصية وهوية سعودية، لتمد وتعطي تجارب وأطروحات "فيصل الخديدي" الدعم والعمق لقوة الفن البصري، ومساندة المشهد البصري بأساس فلسفي معاصر. والحلم كما وصفه "بول كلى" "Paul Klee" (1879-1940) هو "الوسيلة لتوسيع وتخصيب الواقع المرئي"، والإفصاح عن ذلك العالم الآخر الذى يقع خلف عالمنا المرئي، لذا فقد جات عدة أعمال للفنان في تنظيم رمزي متماسك الأطراف، عن طريق عمليات الإندماج والتكثيف والإزاحة والتعويض، وذلك ما يفسر محاولات الفنان تحقيق ما هو غير مباشر في عمله الفني، وما هو متعلق بحدود مقدمته الخفية، كما يفعل الحالم في صياغة وإتقانه الفني ليصبح متعدد الجوانب ووسيلة لجذب الجمهور المتلقي كي يدخل إلى قلب ساحته، ويحدث التجاوب التفاعلي مع العمل ورسائله المفاهيمية. * الأستاذ المساعد بقسم الفنون البصرية - كلية التصاميم والفنون - جامعة أم القرى من أعمال الفنان فيصل الخديدي من أعمال الفنان فيصل الخديدي فيصل الخديدي