تحول الفن البصري السعودي نحو منعطفات تمايز فيها طرق التفكير، والوهج في الأسلوبية وطرق التنفيذ، ومنهجيه البناء الجمالي والمفهومي في الأعمال الفنية، حيث عكف عدد من الفنانين السعوديين على تصدير رؤي حداثية متفردة تدعم مناقشة وتحليل ما يدور في العالم، لتخطو الحركة الفنية خطا متواثبة في تحولاتها، وتأصيل حاله إبداعية نشطة، ومنهم الرائدين «ضياء عزيز»،» د. فؤاد مغربل». "ضياء عزيز" الشاعرية المنبثقة من أحلام الطفولة لجأ الفنان "ضياء عزيز ضياء" إلى منهجية فكرية حداثية مؤسسة على طرح المضمون الفلسفي للعمل وما يحمله من معان كامنة ورسائل أدبية، وصياغة أفكاره عبر خصوصية تعبيرية، مدعومة بالأجواء الأسطورية والتلميحات العاطفية والشاعرية التي تعلي من قيمة الجمالية التعبيرية، وترويض مساحات لونية خاصة لتأكيد الفعل الحركي بالأعمال ودعم رسالتها، واختزال المضمون الفكري بصورة بليغة، مع الاحتفاظ بهيبة العناصر الشكلية وهويتها التي تؤكد على بصمة الفنان وذاتيته عبر تعبير يتجاوب مع الجمهور وجدانياً. فطرح "ضياء عزيز" رؤى حداثية فنية حيوية مفعمة بالرومانسية والشاعرية والعاطفة الشاعرية، بعيدا عن الهيئات البصرية التي ترتكل إلى التنظيمات البنائية العقلانية، وإضفاء الصبغة الموسيقية، وتصوير الانفعالات المختلفة على وجوه الشخصيات، والأضواء والظلال المعبرة عن الجوانب العاطفية، بهدف تسجيل تعبيره من العالم الخارجي إلى ذلك العالم الداخلي بكل إمكاناته الروحية والأسطورية، وتمكين المشاعر والأحاسيس، والألوان الوضاءة باعتبارها وسائل مهمة تساعد أولاً على تكشف جوهر الظواهر والعناصر. وقد تميزت أعماله الفنية بذكاء متوقد في استخدام وسائط التعبير، وتجريداته الفكرية، ومفرداته المنقحة في أعماله المفعمة والمليئة بالسحر، والمعبأة بجو شاعري ذي طابع غنائي شديد العاطفة يفصح عن مضمون العمل، ليتكون الشغف المولع بالدقة البنائية والتركيب المنظم والقدرة الحداثية على ترجمة الملامح التكوينية للعمل، وبالمعالجات الواقعية الرومانسية للصياغات المتزنة في هدوء وانسيابية الإيقاع الخطى، والاعتماد على تباين الدرجات الضوئية، لتمثل جملة أعماله "انفعال" متجسد في خيال وقور وحميمية. وقد تمسك الفنان بمفرداته التشخيصية المعبأة بكافة الانفعالات والتعبيرات التي تعج بها الشخصية الإنسانية، وكذلك الطاقات التعبيرية والرمزية الكامنة بداخلها، وتوازن الفراغات، عبر "خطوط وبقع لونية، مشحونة ومفعمة بالتعبير والنبض الحيوي والخيال مع التوازن والإيقاع المتميز، لتحمل هذه الأعمال بداخلها العديد من المتناقضات بين الصلابة والرهافة، بين الاقتضاب الشاعري التلقائي والتفسيرات المتجسدة باكتمال تفصيلاتها. روح البراءة وإيقاع العفوية عند "ضياء عزيز" واتجه "ضياء عزيز" إلى تفسير الحقائق وتقديم أفكاره عبر تكوينات صورية تجمع بين بداهة حسية وحنين إلى الطفولة البريئة، والصفاء البدائي في محاولات للبحث عن الفرح والإيقاع والنغم والمرح وانفعالات عدة، وتصوير الأطفال في حالاتهم اليومية، ترقب لعب انتظار عمل مذاكرة.. الخ. لتمثل تلك الطريقة الأسلوبية تجسيدا قوياً للحقيقة، فالإفصاح بكامل الشيء يعريه عن جمالياته وبلاغته التشكيلية، وبذلك تخطت أعماله الفنية من مجرد تسجيل لتجربة مرئية إلى رؤية جديدة للواقع البريء والذي تفرزه المخيلة المحلقة للفنان كنتاج للتوغل في الداخل الجواني وأغوار ذلك العالم، واستخراج ما ينطوي عليه من حقائق وقيم فطرية وتركيبية، والتنقيب عما يتضمنه من طاقات روحانية والتي تستثير بدورها العواطف والوجدان، لتجمع أعماله بين حرية السذاجة السامية والبساطة التي تشرق على ملامح الطفل وبين قدراته الرفيعة كفنان، وبين الحيرة المستفهمة والتأمل، متوافقا بذلك مع رأى "شوبنهاور" الذي أعلن فيه بأن "العبقري.. طفل". أسطورية التعبير في المشاهد البصرية لدي "فؤاد مغربل" شكلت الأطروحات الفنية ل"د. فؤاد مغربل" قالبا فنيا محفزاً دافعا للمشهد البصري السعودي المعاصر، واتساقها كتكوينات حداثية نتاج دراسة تأملية وتحليلية لعناصر الطبيعة وقوانينها البنائية، بهدف تأسيس مسار عضوي مغلف بقيم تجريدية شمولية مكثفة تتعايش بشكل ينحو عن التقليدية، ومؤثراً حيويا في إدراك المتلقي وتفعيل مدركاته الحسية تجاه الرسالة التعبيرية للأعمال، في ديناميكية تحتفي بالمساحات والكتل اللونية. واعتمد الفنان" د. فؤاد مغربل" على طرق تحليلية خاصة في إبداع التراكيب الفنية واستخدام المفردات والوسائط التعبيرية ذات الكثافة والثقل في تعبيراتها البصرية لتقدم نموذجاً طليعياً يضيف إلى العمل الفني، ويؤكد على البداهة الإبداعية من خلال الدفع بالتحريف الذي يحرر الصياغة الشكلية، مع عدد من المعالجات الفكرية المبتكرة في تناول وتجسيد أفكاره لصياغة الموضوعات عبر مراوغة في استدعاء أفكار طليعية في التعبير، والتأكيد على الجاذبية في صياغة العناصر والتكوين وتراتيب مخططات اللون، وتوزيع الفاتح الغامق، الدفع بمناطق الإضاءة المباغتة وغير المرتقبة (شديدة السطوع) من مصادرها المفاجئة داخل الأجواء المظلمة والأقل استنارة، كنوع من الإثارة الفنية والحداثية لدى المشاهد، وإبراز عناصر محدده وترتيبها داخل العمل. وتطويع تلك الإضاءات وإسقاطاتها اللونية لتحدث نوعاً من التمويهات والخداعيات البصرية للعناصر البنائية المرسومة، وتوظيف مفردات من أعماق المجتمع السعودي بهدف التدليل على هويته، فضلاً عن نزعة اختزال العناصر، والألوان وباحترافية مكينه لتوليد أقصى حد من العاطفة التي تزيد من قنوات التفاعل بين المتلقي والعمل. الاختزال الفكري لإشارات ووسائط التعبير وامتلك " د. فؤاد مغربل" القدرة الفكرية على التحدث عن موضوعاته ومعارفه بصورة أثيرية بليغة محلقة، يعتمد تركيبها على تطوير استعارة دقيقة ومختصرة خالية من أي زوائد حكائية، من خلال التعبير عبر أقصى درجة من التركيز للوصول إلى الاقتضاب النهائي، والهيئة القصوى المحكومة بصرامة"، هذا إلى جانب تكثيف المعنى من خلال أقل عدد من الوسائط والإشارات الرمزية ذات المحتوى الفكري والتي تعكس طابعاً تأملياً صوفياً وتتجنب المؤثرات الإيهامية بالعمق والتجسيم، والذي يعكس التوجه الرومانسي للفنان. فتضمنت أعماله عددا من الصياغات الخطية التي تتجاور وتتشابك حيناً وتتوازى وتنفرد حيناً آخر، لتحقيق التآلف النغمي المطلوب لتلك المنظومة والمقطوعة الخطية في قالب يسوده الانسجام والترابط ويدعو إلى إعلاء قيمة الخط. وبالرغم من بساطة هذه الرموز إلا أن هذه الأعمال دائماً ما تتحدث بلغة عميقة تميل إلى تعقيد وتشفير الرسالة والاستعانة بالتفاصيل الملغزة المحيرة، ليس بغرض إرباك المشاهد وإنما لتظل حيه داخل وعيه وتحتفظ بتأثير ممتد المفعول عبر استثارة الجهود الفكرية التي تستهدف فك هذه الشفرة التي يريد المؤلف توصيلها، وإقامة جسور الحوار بين الفنان وجمهوره. * الأستاذ المساعد بقسم الفنون البصرية - جامعة أم القرى من أعمال الفنان د. فؤاد مغربل الأجواء الأسطورية في أعمال د. فؤاد مغربل الشاعرية الحالمة في أعمال الفنان ضياء عزيز الفنان د. فؤاد مغربل ضياء عزيز