هكذا هو اسمها: دردشة (جي بي تي)، التقنية التي عصفت بالعالم منذ ثلاثة أسابيع. فاجأت شركة (أوبن أي آي) العالم بتطبيق للدردشة مدعوم بالذكاء الاصطناعي فاق كل التوقعات. فمع وجود برمجيات مشابهة تسعى للهدف نفسه، إنما ما تبين من النسخة التجريبية أن قدراته تذهب أبعد من الدردشة البسيطة إلى القدرة على الإجابة عن أكثر الأسئلة تعقيداً. شركة (أوبن أي آي)، أو الذكاء الاصطناعي المفتوح، معمل بحث متطور ساهم في بنائه كثير من المستثمرين من ضمنهم آلين ماسك وشركة غوغل. النسخة التجريبية التي أطلقت مؤخراً، عبرت بتقنية الدردشة مسافات ابتكارية طويلة حتى أصبحت أكبر تهديد لشركة البحث الكبيرة غوغل. الظاهرة التي تتشكل أمامنا عرفت بظاهرة النمو الموجي أو السيني، وهي التي تفسر ظهور شركات ناشئة بسرعة لتصبح عملاقة في فترة قياسية ثم تسيطر حتى تأتي شركة أخرى منافسة لتنمو نمواً مشابهاً فتزاحمها أو تزحزحها. بالنسبة إلى غوغل، قد تكون شركة الذكاء الاصطناعي المفتوح هي العملاق القادم. ما يقوم به برنامج الدردشة (جي بي تي) شبيه نوعاً ما بغوغل، حيث يتلقى البرنامج سؤالاً أو طلباً ويجيب عنه إجابة وافية بسرعة. الفرق بين (جي بي تي) وغوغل، أن غوغل يجيب طلبك بقائمة من الروابط، أما (جي بي تي) فيجيبك مباشرة إجابة عميقة ومفصلة. مشكلة المستخدم مع برنامج الدردشة ربما تكون أن إجاباته حاسمة كما لو كانت الإجابة التي لا تقبل الجدال، أما بالنسبة لشركة غوغل، فالمشكلة التي تواجهها من نوع آخر. عادة ما تجد الشركات الناشئة نفسها في ورطة عندما تكبر، عندما تجد نموذج العمل الناجح لها وتسيطر على السوق سيطرة كبيرة. المشكلة أنها لا تملك أن تنافس شركة ناشئة لم تثبت نفسها بعد، حتى إذا بدأت في النجاح تكون الفرصة قد فاتت. منافسة الشركات الناشئة ليست المشكلة الوحيدة، حتى وإن استحوذت على شركة ناشئة واعدة، فإن الشركة الكبيرة غير قادرة على تنمية الشركة الناشئة دون أن تواجه صعوبة التوفيق بين تقنيتها الخاصة بأخرى قادرة على إلغائها. معضلة غوغل اليوم مع تقنيات الدردشة التي ساهمت في بنائها أنها تتعارض مع نموذج عملها الناجح. نجاحك الذي سعيت إليه أمس قد يصبح سبب فشلك الأول غداً. فلو أرادت غوغل تبني تقنيات الدردشة فعليها أن تتخلى عن الإعلانات التي تمثل 80 ٪ من دخلها. إذا كانت إجابات الدردشة حاسمة ومقنعة فما حاجة المستخدم إلى البحث بالضغط على الروابط التي تعلن عنها غوغل؟ في سبيل الحفاظ على نجاحاتك السابقة قد تضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة، بما فيها أن تختار الطريقة التي سوف تنتهي بها. لا تقف مأساة الابتكار عند عبور وادي الموت كما يسمى وصعود هضبة النجاح، إنما كيف ينزل الابتكار منها بعد ذلك أيضاً.