اجتاز الشعب الإيراني مع انتفاضته الأخيرة ضد دكتاتورية ولاية الفقيه منعطفاً تاريخياً واتخذ خطوة نوعية إلى الأمام. جاء علي خامنئي إلى مشهد الأحداث يوم السبت 26 نوفمبر 2022 لإقناع الباسيجيين «الجدد» لضبطهم وحقنهم بأمبولات «السعة والتحمل» ذلك لأنه كان يعلم أن الباسيجيين «القدامى» لم يتحمسوا للدفاع عن ديكتاتوريته، وفي هذا الخطاب وصف خامنئي قواته ب»المظلومين» في مواجهة انتفاضة الشعب ووصف المنتفضين ب»مثيري الشغب» و»المرتزقة» في مسعى منه لجعل انتفاضة الشعب تبدو «غير ذات أهمية»، كما قام خامنئي «بتقبيل» «أيدي الباسيج» نيابة عن الخميني وطلب منهم ألا يكونوا «متلكئين» و»مهمومين» و»محبطين». لقد أظهر هذا الخطاب ما بخامنئي من «مأزق ويأس» في مواجهة انتفاضة الشعب، وعكس من جهة مدى عمق وحشية الدكتاتور، وأثبت من جهة أخرى شرعية انتفاضة الشعب للإطاحة به، وهي الحقيقة التي يتجلى في مركزها أوضاع الدكتاتور المهزوزة وتطور انتفاضة الشعب الإيراني هادرة من أجل الإطاحة بالديكتاتور. في نهج واقعي وإلى حد ما أعمق من ذي قبل تحدث خامنئي عن سقوط سلطة الدكتاتور في «جسد» النظام وانقسام محتمل في «رأسه»، الأمر الذي ألقى الرعب في خامنئي كما ألقاه في محمد رضا شاه بهلوي في نهاية مرحلة دكتاتوريته، والخوف من عدم عودة الأوضاع إلى الماضي وظهور سارية الإطاحة بالدكتاتورية الدينية التي لا مفر منها. في 25 يونيو 1980 قال الخميني في خطاب علني له موجه إلى الحرس الثوري الإرهابي: «عدونا ليس في الشرق ولا في الغرب ولا في كردستان، عدونا هنا قرب مسامعنا في طهران». تتسارع الأوضاع الآن نحو الإطاحة بالدكتاتورية الدينية بطريقة سلسلة وثابتة. لقد تغير الوضع بطريقة جعلت حتى المغيثون الغربيون لا طاقة لهم بالاحتفاظ بدكتاتورية ولاية الفقيه في مواجهة انتفاضة شعبية، ذلك لأن النقاش الذي يدور على الطاولة الآن يدور حول تغيير دكتاتورية الفقيه وبديلها، وليس الرهان على حصان خاسر باتت أيام استمراريته وبقائه معدودة. في مثل هذه الأيام إذا «مات» خامنئي، فإن مسار عملية الإطاحة بالنظام الديكتاتوري الديني الحاكم في إيران ستكتسب تسارعاً أكبر وإذا ما حدث «انقسام» في رأس النظام قبل وفاته فإن تسارع تطورات الأحداث سيزداد مرة أخرى. كلمة أخيرة ما يتردد على الألسنة الآن هو أبعد من مجرد الإطاحة، «والتسريع» بإسقاط الدكتاتور، وهذا النظام راحل، والشعب والممثلون الحقيقيون للشعب ومعهم أحمال من التجارب والإنجازات في وضع الاستعداد لدخول «إيران الغد الحرة». وعليه فإن ما يجب أن تركز عليه دول العالم وخاصة دول المنطقة وعلى وجه أخص دول الجوار لإيران هو الاستعداد لدخول واستقبال «غد بدون دكتاتورية ولاية الفقيه»، ولأجل ذلك يتطلب السلام والأمن الدولي والإقليمي أن تضغط الولاياتالمتحدة وأوروبا على زناد الإتفاق النووي والاعتراف الرسمي بالبديل الديمقراطي الوحيد لهذا النظام ألا وهو «المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية». والآن فإن «ثوار الحرية» وب»لغة القوة والسلطة» قد أنهكوا خامنئي وقواته في جميع أنحاء إيران، ويقرعون طبول الانتصار على الدكتاتور، وانكشف للجميع بطلان إدعاء عدم وجود بديل للنظام وأن إيران ستتجزأ أو تصبح كسورية. لقد أصبح إسقاط دكتاتورية ولاية الفقيه قاب قوسين أو أدنى، وأصبح اقتراب إقرار مشروع جمهورية ديمقراطية أقرب رؤية من أي وقت مضى، وإن الشعب العازم على الإمساك بمصيره وزمام أمره بيده له حق مُسَلمٌ به في أن يكون له حكمٌ وطنيٌ وشعبيٌ ديمقراطي، وستُزاح القوات الميتة من المشهد. * كاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الإيراني