لم يكن عام 2022 عاماً عادياً، للمنطقة العربية، سواء بقضاياها وأزماتها التراكمية، أو تداعيات التجاذبات الدولية، واستمرار عملية الاستقطاب العالمية، وإصرار الإدارة الأميركية النأي بنفسها عن المنطقة، إلا أنه في ذات الوقت، حدثت المقاربة والتناغم، في مطلع ونهاية العام، وهي التي أعطت روحاً ونفساً إيجابياً، للمشهد العربي المتأزم. وهناك مؤشرات أن العام الميلادي لن ينتهي، من دون انفراجات حقيقية على الأرض، والتي ستنعكس على تعزيز الشراكات في المنطقة، ومع الشركاء الاستراتيجيين الموثوقين في الإقليم. وبالتالي فهذا المناخ الجديد ينذر بمقاربات على الساحات الساخنة وتحويلها إلى مناطق أمنة. المملكة وتصفير مشكلات المنطقة وتعمل المملكة بهدوء وحنكة لتقريب وجهات النظر، وانتهاج سياسة حكيمة لتصفير المشكلات بين الدول، خصوصاً في ظل المتغيرات الجيوستراتيجية العالمية. وشهد نهاية العام، انفراجاً كبيراً في العلاقات المصرية التركية، وبحسب المراقبين المصريين والأتراك، فإن الانفراج الذي حدث في العلاقة المصرية التركية، بعد لقاء الرئيس السيسي والرئيس أردوغان في قطر في افتتاح كأس العالم مؤخراً، أذاب الجليد بينهما، وأعطى دفعاً للمصالحة، فبعد سنوات من الجفاء، بدأت المياه تعود لمجاريها ويعول البلدان على التفاهم والتعاون بينهما والذي سينعكس على الشعبين. التقارب التركي المصري وأكد خبراء أتراك أن اللقاء الأول بين الرئيسين المصري والتركي في العاصمة القطريةالدوحة، فتح الباب أمام تطورات متسارعة في العلاقات، بعد قطيعة امتدت 9 سنوات، على خلفية التباين في وجهات النظر تجاه العديد من الملفات الثنائية والإقليمية. ومن أهم مخرجات اللقاء الإيجابية، والتي وصفها المراقبون أنها خطوة على جدية الطرفين، ما أعلنه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، عن عودة السفراء بين البلدين قريبا، كما نقلت مصادر أن لقاءات بين أجهزة مخابرات البلدين تمت الأسبوع الماضي. تحسناً في المرحلة المقبلة كما يعتقد محللون أتراك العلاقات التجارية التي شهدت تراجعاً خلال السنوات، متوقعاً أن تشهد تحسناً كبيراً، ستسهم في تحسين التبادل التجاري، وفرص الاستثمار بين البلدين، لوجود مصالح مشتركة لتطوير ودفع العلاقات، خاصة بعد لقاء الرئيسين موضحين أن ارتفاع التبادل التجاري بين البلدين في العام 2021 بنسبة 44 %، يعطي دفعة قوية لمزيد من التقارب، في ظل مساعي البلدين للتعافي الاقتصادي، بعد جائحة كورونا والحرب الأوكرانية، التي ألقت بتداعياتها السلبية على الأمن الغذائي والنفطي وسلاسل الإمدادات. صفحة جديدة وترى مصادر رسمية مصرية في تصريحات ل"الرياض" أن البلدان يتجهان لفتح صفحة جديدة وتجاوز خلافاتهما، وهذا ما أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسي ونظيره رجب طيب أردوغان بعد لقائهما على هامش افتتاح مونديال قطر. ويعتقد خبراء عرب أن القاهرةوأنقرة ستعملان على تأمين العلاقات اقتصادياً وسياسياً وأمنياً وتعضيد التعاون مع شركائها الاستراتيجيين في المنطقة وعلى رأسهم المملكة، مشيرين إلى أنه على المستوى الأمني هناك تفاهمات حول الملف السوري، حيث يمكن ملاحظة عودته للطرح بشكل متزامن مع تقارب القاهرةوأنقرة. لقاءات الوفود الأمنية وبحسب مصادر عربية أنه بعد لقاء السيسي وأردوغان، بدأ التقدم في تحسن العلاقات، حيث التقت وفود أمنية في القاهرة، وناقش الجانبان قضايا عسكرية وسياسية وتجارية بالإضافة إلى مسألة الطاقة والأمن، فضلا عن حرص إعادة أنقرة النظر في سياساتها مع الدول المحورية في المنطقة في ضوء المتغيرات السياسية والاقتصادية، وًالتضخم الكبير الذي تشهده تركيا. التحديات الجيوستراتيجية وأكدت المصادر وجود رغبة لدى أنقرة في تصفير المشكلات، هذه الرغبة تفرضها التحديات الجيواستراتيجية، واتسام سياستها بالواقعية وتقليل منسوب التوترات وفتح مجالات الاستثمارات، خصوصاً أن السوق التركية توفر فرصاً عديدة ومتنوعة للاستثمار والعكس صحيح في السوق المصرية. صفحة جديدة وأكدت مصادر تركية ل"الرياض" أن ملف العلاقات التركية المصرية، شهد تحولاً إيجابياً خلال الأسابيع الماضية بعد أن كانت هذه العلاقات مسرحًا للتوتر لسنواتً، مشيرة أن مصر وتركيا تقتربان أكثر فأكثر من عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما. وتقوية الأرضية الصلبة للقوة الاقتصادية التي نقلت أنقرة إلى عضوية منظومة الدول العشرين الأقوى عالمياً. الدوحة - أبوظبي.. تعضيد العلاقة بالمقابل شهدت العلاقات الإماراتالقطرية دفعة قوية للأمام، حيث التقى رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في أول زيارة رسمية منذ عامين، مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حيث وصفت مصادر قطرية إماراتية إلى أن المحادثات تركزت حول تعزيز العلاقات سبل، وتعزيز التضامن الخليجي ودعم الأمن والاستقرار بالمنطقة. وتعكس الزيارة حرص البلدين على التشاور فيما يتعلق بتعزيز العلاقات الثنائية وسبل تطويرها ودفعها إلى الأمام على المستويات كافة. * دلالات مهمة وحملت الزيارة رسائل ودلالات مهمة من حيث التوقيت والمضمون، زاد من أهميتها ما تضمنته من مشاهد ومباحثات، وقيام الشيخ تميم بقيادة السيارة التي استقلها مع الشيخ محمد بن زايد، بنفسه في لفتة تعكس تقديراً كبيراً لضيف البلاد، وقوة العلاقات التي تربط الزعيمين. وغرّد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عبر حسابه في موقع "تويتر" مرحباً بزيارة رئيس دولة الإمارات، التي أتاحت التباحث حول سبل تعزيز العلاقات الأخوية بين بلدينا، وتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك وفي مقدمتها سبل دعم الأمن والاستقرار في المنطقة. فيما أفادت وكالة أنباء الإمارات «تأتي الزيارة انطلاقًا من العلاقات الأخوية التي تربط البلدين وشعبيهما الشقيقين». وتعد هذه الزيارة هي الأولى منذ أن أصبح الشيخ محمد بن زايد رئيساً للإمارات، وكذلك الأولى من نوعها منذ توقيع اتفاق "العلا" الخليجي في يناير 2021. ويعد اللقاء الذي جمع الزعيمين هو الثالث منذ تولي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مقاليد الحكم، بعد اللقاء الذي جمعهما خلال زيارة أمير قطر إلى الإمارات مايو الماضي، لتقديم التعازي بوفاة رئيس دولة الإمارات الراحل الشيخ خليفة بن زايد. كما سبق وجمعهما لقاء خلال مشاركتهما في قمة جدة "للأمن والتنمية" التي شارك فيها قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والولايات المتحدة الأميركية والأردن ومصر والعراق في 16 يوليو الماضي. وكان مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان قد زار الدوحة مرتين في إطار مساعي أبوظبي لمعالجة الخلافات الإقليمية. توافق إقليمي وجاءت القمة الإماراتيةالقطرية بما تضمنته من مباحثات مهمة، في ظل التحديات التي تشهدها المنطقة والعالم، وسط إيمان مشترك بأهمية بناء توافق إقليمي يضمن السلام والاستقرار في المنطقة ككل ويعود على دولها بالنفع والفائدة، وخصوصا في ظل التغيرات الكبيرة التي يشهدها النظام الدولي، ولا سيما بعد الأزمة الأوكرانية الروسية. ويحمل اللقاء أهمية خاصة كونه يأتي قبيل أيام من قمة خليجية صينية مرتقبة في الرياض. قرقاش: تعزيز التضامن الخليجي وقال الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، إن زيارة الشيخ محمد بن زايد لقطر ولقائه الشيخ تميم بن حمد خطوة أخرى نحو تعزيز التضامن والعمل الخليجي المشترك أن "مسار التعاون والتكامل والتنسيق خيار إماراتي استراتيجي، نحو تحقيق الطموحات الخليجية المشتركة". وكان قادة ورؤساء وفود دول مجلس التعاون الخليجي قد وقعوا في يناير من العام الماضي بيان القمة الخليجية التي عقدت في محافظة العلا، من أجل طي صفحة الخلاف الخليجي والتأكيد على احترام مبادئ حسن الجوار. ودعا البيان إلى عودة العمل الخليجي المشترك إلى مساره الطبيعي، وتعزيز وحدة الصف والتماسك بين الدول الأعضاء، والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة. عام 2022 يلفظ أنفاسه الأخيرة بأزماته وحروبه.. وقد يكون بداية لزمن الانفراجات والمقاربات وتصفير المشكلات. أول زيارة لرئيس الإمارات إلى قطر منذ عامين