على خلفية التحديات الجيوسياسية والاقتصادية المتزايدة بسرعة، في المنطقة وجنوب وشرق آسيا والعالم، تعزز المملكة شراكاتها مع الدول الموثوقة سياسياً واقتصادياً واستثمارياً في العمق الشرقي والجنوبي لآسيا، وعلى رأس هذه الدول، الباكستان، والتي تمثل عمقاً استراتيجياً إسلامياً للمملكة، حيث تقوم الشراكة على أسس ثابتة، وتهدف لتحصين البيت الإسلامي من الداخل وتعظيم الشراكات الجيوسياسية، ومعالجة التحديات التي تواجه منطقتي الخليج وجنوب آسيا، وتعزيز الأمن والسلم العالمي. مزيد من التنسيق وتتجه العلاقات بين باكستان والسعودية إلى مزيد التعاون والتنسيق الاستراتيجي، في ظل حرص الرياض وإسلام أباد لتبني رؤى مشتركة، تجاه شعبها وقضايا الأمة الإسلامية. تعظيم مسار العلاقة لقد عظّم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مسار العلاقة مع باكستان استراتيجياً؛ فيما أعاد رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، البوصلة نحو السعودية كونها كانت ولا تزال العمق الاستراتيجي والإسلامي. شراكة بعيدة المدى ومن غير الدقيق أن نفترض أن الشراكة بين السعودية وباكستان تقتصر على منح المساعدات، فهذا جزء من الواجبات والمسؤوليات التي تفرضها طبيعة الشراكة، والوقوف مع الشعب الباكستاني في السراء والضراء. تحقيق التوازن الجيوسياسي فطوال العقود السبعة الماضية، كان البلدان يتعاونان لتحقيق الاستقرار والتوازن الجيوسياسي في الإقليم وتعزيز العمل الإسلامي المشترك، وخدمة مصالحهما الأمنية في المنطقة خلال فترة الحرب الباردة وما بعدها. 1940 بداية العلاقة ويعود تاريخ العلاقات بين الرياض وإسلام أباد إلى عام 1940، أي قبل سبع سنوات من استقلال باكستان عن بريطانيا، وعلى مدار العقود التالية، مضت العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية بين البلدين، حتى ارتقت إلى مستوى "الشراكة الإستراتيجية". الشراكة الاقليمية وما عزز هذه العلاقات أكثر، هو حاجة البلدين إلى التحالفات، وتعظيم الشراكات، نظرًا لحالة التجاذبات في الإقليم والعالم وهيمنة قوة أحادية، حيث أضحى العالم الجديد، شبكة معقدة من دول عديدة تعمل ضمن تحالفات متنوعة، وسياسات براغماتية مختلفة في ظل المنافسات العالمية، وتعاظم أدوار الصين والهند والمفاهيم الأمنية الأمريكية المتمثلة في تنافس القوى العظمى، والبصمات الروسية والصينية المتنامية في الشرق الأوسط، الى جانب طموحات النظام الإيراني لتوسيع نفوذها في المنطقة. حليف وشريك موثوق ولهذا تحرص المملكة على تعضيد علاقاتها مع الباكستان، كونها حليفاً وشريكاً مخلصاً موثوقاً به، كون الشراكة بين السعودية وباكستان راسخة ومستدامة جداً إلى درجة، لا تسمح لهذه التحديات التي يثيرها منافسون إقليميون وقوى خارجية، أن تقوّض علاقتهما الفريدة والمتميزة عبر التاريخ. الدعم الاقتصادي ولم يقتصر الدعم السعودي السخي على تأجيل مدفوعات القروض لواردات النفط الباكستانية، واستمرار الدعم للاقتصاد الباكستاني، بل ساعدت الرياض في بناء شبكات الطرق والمنشآت والمدن المدمرة من الزلازل والفيضانات على الأرض الباكستانية. وجاء قرار تمديد الصندوق السعودي للتنمية الوديعة المقدمة من المملكة بقيمة 3 مليارات دولار لصالح البنك المركزي الباكستاني، تنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، استمراراً للدعم الذي تقدمه حكومة المملكة للباكستان، إذ هدفت الوديعة إلى دعم احتياطي العملة الأجنبية في المركزي الباكستاني. ولم تترك الرياض حليفتها في مواجهة ضائقة اقتصادية قد تجعلها عرضة للاستغلال الدولي وتحقيق مكاسب سياسية، لها بل سارعت المملكة في تقديم الاقتصادي في إطار مسئولياتها وحرصها على الشعب الباكستان بلا منّة. تشاور وتنسيق وحققت العلاقة بين البلدين خلال الاشهر الماضية، منطلقات ليس فقط في الإطار الثنائي فحسب؛ بل وفي الجوانب الجيوستراتيجية التي تتطلب تنسيقاً وتشاوراً عالياً؛ إلى جانب تقوية الشراكة بين الرياض وإسلام أباد، والتأكيد على القواسم المشتركة والمواقف المتطابقة حيال القضايا الإقليمية والإسلامية والدولية؛ فضلا عن تكثيف الاتصالات والتعاون بين المسؤولين الحكوميين والقطاع الخاص في البلدين بهدف الارتقاء بالعلاقات وتعزيز العمل الإسلامي المشترك، وحل القضايا التي تواجهها الأمة الإسلامية وتقوية مساعيها من أجل السلام والأمن الإقليمي والدولي. مجلس التنسيق خطوة مهمة ويمثل مجلس التنسيق الأعلى السعودي الباكستاني دفعة قوية للشراكة الاستراتيجية، ومؤسسة لهذه العلاقات لتساهم في تحقيق مزيد من التعاون المشترك، المبني على الثقة والمنافع المتبادلة والمصالح المشتركة، وفرصة لاستكشاف مجالات الاستثمار والفرص، والتأكيد على ضرورة تضافر جهود العالم الإسلامي، لمواجهة التطرف والعنف ونبذ الطائفية، والسعي الحثيث لتحقيق الأمن والسلم الدوليين، وأهمية مواصلة الجهود المشتركة لمكافحة ظاهرة الإرهاب، التي لا ترتبط بأي دين أو عرق أو لون، والتصدي لكافة أشكالها وصورها وأيا كان مصدرها. وحدة العقيدة ترتكز العلاقات الثنائية بين المملكة والباكستان على قاعدة متينة، جوهرها وحدة العقيدة والإخاء، وما يشكلانه من ثقل على مختلف الصعد إسلامياً وإقليمياً ودولياً، تتصف على المستويين الشعبي ب"التقارب والاحترام المتبادل " والسياسي ب"التفاهم وتكامل الأدوار" تعزيزاً لمسيرة العمل المشترك، وقوة مؤثرة تجاه مختلف القضايا قارياً وأممياً. رؤية 2030 نقطة الارتكاز ويمثل الاقتصاد الركن الأساسي في هذه الشراكة الجديدة، بحيث تم تسليط ضوء أكبر على عناصرها الاقتصادية، وتحظى رؤية المملكة 2030 بالتقدير والاحترام من قبل العديد من القيادات الباكستانية المؤثرة، بصفتها نقلة نوعية في التفكير السياسي السعودي الناضج، وتعكس منهج الإسلام الوسطي، وتكرس قيم التسامح والتعايش السلمي، وتوفر الفرص والممكنات للبلدين للدخول في شراكات وتحالفات استثمارية في إطار مبادرات الرؤية. مكانة خاصة وللمملكة مكانة خاصة في قلوب الشعب الباكستاني، وتحظى باحترام وتقدير كبيرين لدى جميع الأوساط السياسة الرسمية والحزبية والإسلامية والشعبية الباكستانية، انطلاقاً من الروابط الإسلامية والأسس المتينة، للعلاقات بين البلدين والشعبين الشقيقين، على المستويين الثنائي والإسلامي، بوصف المملكة من الدول الرائدة للعمل الإسلامي المشترك، ولدعمها المستمر لجمهورية باكستان منذ استقلالها إلى اليوم، وما تقدمه من خدمات متكاملة لقاصدي وزوار الحرمين الشريفين والمشروعات الكبيرة في المشاعر المقدسة. أدوار فاعلة وللشراكة "السعودية الباكستانية" أدوار فاعلة في حل القضايا التي تواجهها الأمة الإسلامية على مستوى العالم، كعضوين مؤسسين لمنظمة التعاون الإسلامي، إلى جانب مساعيهما من أجل السلام والأمن الإقليمي والعالمي، ملتزمتين بمواصلة مكافحة التطرف والإرهاب، ودعمهما المجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤولياته حيال تضافر الجهود الدولية كافة لمحاربته. تكريس نهج الاعتدال والوسطية وحرصت قيادتا البلدين الشقيقين في "السعودية وباكستان" على التزام الطرفين باعتدال نهجهما السياسي، وانفتاحهما على العالم والتنسيق بين سياساتهما وتعاونهما في المحافل الدولية، الأمر الذي شكل بعداً فاعلاً في تنامي وتيرة العلاقات الثنائية، وتعزيز علاقاتهما على جميع الأصعدة السياسية، والعسكرية والأمنية، والاجتماعية، والتنموية، بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين والأمة الإسلامية. وتهتم المملكة بتنمية وازدهار باكستان، حيث قدّم الصندوق السعودي للتنمية العديد من المساعدات التنموية، منها تقديم 20 قرضاً تنموياً للإسهام في تمويل تنفيذ 17 مشروعاً تنموياً في قطاعات الطاقة والسدود والمياه والصرف الصحي والنقل والبنية التحتية بقيمة 3.5 مليارات ريال، وتقديم عمليات تمويل وضمان صادرات بقيمة 17.6 مليوناً، وتمويل دعم استيراد باكستان مشتقات نفطية سعودية بقيمة 270 مليوناً، وتخصيص ثلاث مِنح بقيمة 1.250 مليار لتمويل مشروعات إعادة الإعمار وتأهيل المناطق المتضررة من الزلازل، إلى جانب الدعم الإضافي المستمر لباكستان عن طريق مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية لمواجهة الآثار المدمرة للزلازل. وبين باكستان والمملكة تاريخٌ طويل من العلاقات المتينة، حيث تعود روابط الدين والمصلحة المتبادلة إلى أربعينات القرن العشرين، وتوطدت هذه العلاقة الثنائية على مر السنوات لتستحيل شراكةً استراتيجية، تعزى في المقام الأول إلى أواصر الصلة المتنامية في كلا البلدين وإلى سياستهما الخارجية المتشابهة، إزاء الأحداث الإقليمية والدولية، كما وإلى تعاونهما في المجال الأمني.