نوه ملتقى التسامح الذي نظّمه مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني اليوم بمقر وكالة الأنباء السعودية بالرياض بجهود المملكة في ترسيخ التسامح وتعزيزه داخل المجتمع، مؤكدا أهمية التسامح ودوره في تعزيز السلام والتعايش وتحقيق التنمية والتطور الذي تسعى له المجتمعات المستقرة بمختلف جنسياتهم وأعراقهم ودياناتهم وثقافاتهم. وجاء تنظيم الملتقى الذي شارك فيه عدد من أصحاب المعالي والفضيلة والسعادة والأكاديميين والمثقفين والإعلاميين في إطار احتفاء المركز وتفاعله مع الأيام الدولية ومنها اليوم العالمي للتسامح الذي يشكل إحدى أهم القيم التي يعمل المركز على تعزيزها وترسيخها داخل المجتمع. وبُدئ الحفل بعزف السلام الملكي، ثم تليت آيات من القرآن الكريم، عقب ذلك شاهد الحضور فيلماً تعريفياً عن المركز، بعدها ألقى سعادة الدكتور عبد العزيز السبيل رئيس مجلس أمناء المركز كلمة الملتقى الافتتاحية، التي رحّب فيها بأصحاب المعالي والفضيلة والسعادة وبكافة المشاركين في هذا الملتقى الذي يقيمه المركز لمشاركة العالم احتفاله بيوم التسامح، والعمل على تأصيل هذه الفضيلة التي أكدها الإسلام، عبر التوجيهات القرآنية الكريمة، ومن خلال أقوال وأفعال النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، لافتا إلى أن التسامح قيمة عظيمة ينضوي تحتها ويرتبط بها عدد كبير من القيم، مؤكدا أن التعايش، واحترام الغير، والإنصات للرأي الآخر، وقبول الاختلاف دينيا ومذهبيا وعرقيا، قيم لا تتحقق إلى بتبني وممارسة هذه الفضيلة الكبرى. وأعرب عن سعادته بمشاركة هيئة كبار العلماء، ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ومشروع سلام للتواصل الحضاري، وهيئة حقوق الإنسان، وعدد من أعضاء مجلس الشورى والمسؤولين والمثقفين والإعلاميين، مؤكدا أن هذه المشاركة الكبيرة هي ما يجعل هذا الاحتفاء ذا بعد وطني أشمل يواكب رؤية المملكة 2030 ويحقق توجيهات القيادة الرشيدة حفظها الله. وأضاف رئيس مجلس أمناء المركز: "أنه رغم احتفاء الأديان والثقافات والقوانين بهذه الفضيلة، والتأكيد عليها، فإن المراقب للأحداث في مواطن كثيرة من العالم، سيجد العنف والقتال والحروب والصراعات تتضاعف وتزداد، لذا، فإن الاحتفال بيوم التسامح يتحقق نظريا بشكل كبير، لكن بالنظر إلى الممارسات عالميا نجد هذه الفضيلة تتراجع وتنحسر بكل أسف"، لافتا إلى أن مسؤوليات الساسة والقادة، والمنظمات والهيئات والشعوب تزداد وتكبر، وحري بالجهود أن تتضافر وتجتمع، لتحويل فضيلة التسامح إلى واقع يعيشه الأفراد وتحتفي به الشعوب. إثر ذلك، تم تكريم الفائز بجائزة مسابقة شعار التسامح، ومن ثم انطلقت فعاليات الملتقى التي شهدت إقامة ثلاث جلسات حوارية، استعرضت الجلسة الأولى التي أدارها الدكتور أحمد الشهري رئيس منتدى الخبرة السعودي "مفهوم ونماذج من التسامح"، وتحدث فيها كل من معالي الشيخ الدكتور يوسف بن سعيد عضو هيئة كبار العلماء ، الذي أكد أن الإسلام دين التسامح، موضحا أن جذور قيم التسامح مُتأصِّلة في الشريعة الإسلامية، مبينا أن التسامح أحد الأخلاق التي حرص الإسلام على ترسيخها لدى المسلمين، تجاه أنفسهم وتجاه الآخرين فجعل التسامح عامًّا بين بني البشر جميعًا حيث منع الإسلام التعرض لدور العبادة، لما لها من شأن فيه، فلم يهدمها الرسول ولم يهدمها أبو بكر ولا عمر، فقد تسامح الرسول وصحابته مع أهل الكتاب وغيرهم، كما جاء في وثيقة المدينة عندما وصىّ على دور العبادة. فيما قال معالي الأستاذ فيصل بن عبد الرحمن بن معمر المشرف العام على مشروع سلام للتواصل الحضاري، إن التسامح قيمة دينية وإنسانية وحضارية عظيمة تنبثق من روح الرحمة التي وسعت الإنسانية بأسرها لتعيش في تناغم وتناسق وسلام، مؤكدا أن المملكة منذ توحيدها ارتكزت سياستها الداخلية والخارجية على قيم السماحة النبيلة المستمدة من ديننا الحنيف، معربا عن فخره بمواقف المملكة التي تؤكد ريادتها للعالم العربي والإسلامي ومكانتها بين الدول والأمم باعتبارها نموذجا في المنطقة للتسامح والتعايش المشترك والذي ترجمه بإطلاقها للمبادرات المحلية والإقليمية والدولية الداعية للحوار والتعايش والتسامح ووأد الصراعات الطائفية. من جهة أخرى، سلطت الجلسة الثانية التي أدارتها الدكتورة فوزية البكر الكاتبة والأكاديمية، الضوء على "دور القوى الناعمة في تعزيز التسامح"، وتحدث فيها كل من: سعادة نائب رئيس مجلس الأمناء والأمين العام لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني الدكتور عبد الله الفوزان، الذي أوضح أن رؤية المملكة 2030 أكدت أهمية تعزيز قيم التسامح لدى المجتمع، لافتا إلى أنها تهدف إلى الوصول لمجتمع حيوي يوفر للمواطنين الحياة الكريمة في وطنهم وينقلهم لمصاف الدول المتقدمة. وأشار الفوزان إلى أننا عندما نرى التسامح هدفاً لتنمية القدرات البشرية في المملكة، فإن ذلك يؤصل لفكرة مؤداها أن التسامح يجب أن يكون أسلوب حياة للمجتمع بكل أطيافه وفئاته، بدءا من الفرد نفسه وانتهاء بالمجتمع ككل، مضيفا أننا ففي ظل رؤية المملكة الطموحة سننتقل من رؤية التسامح على أنه سمة أو فضيلة فقط لرؤيته كاستثمار اجتماعي في أنفسنا وأسرنا ومجتمعنا وبلادنا الكريمة. واستعرض سعادته جهود المركز لتعزيز التسامح بوصفه إحدى مؤسسات المجتمع الوطنية المعنية بغرس هذه الفضيلة منذ تأسيسه فجعلها أحد أهدافه التي يسعى لترسيخها لدى كافة أطياف المجتمع من خلال التركيز على الفئات الأكثر حاجة عبر توجيه التدخلات المتمثلة بالبرامج والأنشطة والمبادرات التي ينفذها، مبينا أن المركز يسهم يبذل بالتعاون والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة جهودا حثيثة ليكون التسامح أحد عناصر ثقافة المجتمع الجاذبة للآخر كقوة ناعمة يتم تسويقها بواقعها الحقيقي، لاسيما في ظل ارتباط الصورة الذهنية حول التسامح في المجتمع السعودي أمام بعض المجتمعات الأخرى بحقائق غير واقعية وغير صحيحة، هدفها تشويه صورة المواطن السعودي. وأوضح الفوزان أن المركز وانطلاقا مسؤوليته المجتمعية ودوره الوطني له جهود هامة في تعزيز مستوى التسامح في المجتمع السعودي من خلال تنظيم وإقامة العديد من الفعاليات والبرامج والمشاريع المتنوعة والتي تتم عبر إداراته المختلفة والتي يأتي من أبرزها مؤشرات التسامح والدراسات الاجتماعية واللقاءات والديوانيات الحوارية والبرامج التدريبية إضافة إلى برنامج نسيج واثنينية الحوار ومعرض الحوار. بدورها تناولت سعادة الأستاذة مشاعل المبارك مدير عام إدارة التطوع في وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية دور التسامح في العمل التطوعي، موضحة أن مفهوم التسامح يرتبط على أرض المملكة بالتطوع ارتباطاً متجذراً، واستعرضت المبارك الدراسة التي أجرتها منظمة IAVE عن أثر التطوع في الحس الإنساني وارتباط تأثيره بتطور الحس الإنساني لدى الشباب واكتساب المهارات، وكما سلطت الضوء على أبرز المبادرات والمواقف الإنسانية بالعمل التطوعي، وأبرزت منجزات العمل التطوعي وأثره الاجتماعي والاقتصادي حتى شهر أكتوبر 2022م. أما الجلسة الثالثة التي أدارها معالي الدكتور عبد الرحمن الهزاع الأكاديمي في جامعة الإمام محمد بن سعودالإسلامية، فتطرقت إلى "قيم التسامح في التشريعات والفضاء الرقمي"، وتحدث فيها كل من: معالي الأستاذ عبد العزيز الخيال نائب رئيس هيئة حقوق الإنسان الذي أوضح أن التسامح هو مفهوم إنساني ويتداخل مع حقوق الإنسان في كل الجوانب، مبينا أن المفهوم المُعاصر للتسامح يقوم على رُكن كرامة الإنسان ومراعاة حقوقه البشرية من غير تمييز، لذا فقد أتت كل الاتفاقيات العالمية لحقوق الإنسان لتُؤيّد هذا التلازم. أوضح أن المملكة الآن باتت من القوى الكبيرة سواء سياسياً او اقتصادياً وهو ما جعلنا ننطلق للعالم، مؤكدا على أهمية أن تكون لدينا مفاهيم مشتركة مع العالم لذلك يجب عدم قصر مفهوم التسامح على قيم محددة، مبينا أن العالم الرقمي أصبح يشغل حيزا في حياة المجتمع وأصبح المجتمع مفتوحا على الآخر وبذلك التواصل بين العالم أصبح كبيرا وسريعا، لافتا إلى أن التشريعات الدولية والوطنية التقنية في التسامح جيدة ومتينة ولكنها تختلف عبر الإعلام الرقمي ويجب أن تتطور حتى تساهم في تجنب خطاب الكراهية، وسلوكيات التمييز والعنصرية، وإثارة النعرات الطائفية والدينية، وتساهم في تعزيز ثقافتي التعايش والتسامح وترسيخهما. فيما قال سعادة الدكتور فهد الطياش عضو مجلس الشورى ونائب رئيس لجنة الإعلام في المجلس، إن الإعلام السعودي بدأ بتغيير البيئة من خلال تأكيده على احترام حقوق الأفراد، مبينا أن أنظمته تمنع نشر أو تداول أي محتوى يتعارض مع النظام أو الشرع، مشيرا إلى أن من قرارات مجلس الشورى فيما يخص تقرير وزارة الإعلام للعام المالي 1443-1442 العمل على إعداد استراتيجية لدمج الوافدين بالمملكة من خلال منظومة متكاملة من الوسائل والحملات والبرامج، كما نصت هذه القرارات على أن تقوم هيئة الإذاعة والتلفزيون بعمل دراسة لإطلاق قنوات أو منصات إعلامية بلغات أهم الجاليات في المملكة مع تخصيص ساعات بث لها في إذاعاتها لتعزيز معرفتها بالثقافة السعودية. أما الدكتور ناصح البقمي عضو مجلس الشورى وعضو لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية، فتحدث عن أهمية التسامح واستعرض عددا من النماذج من التسامح والحفاظ على العود في عهد الرسول، مبينا أن الإسلام دين التسامح والانفتاح على العالم، لافتا إلى أن هناك جماعات تدعي الإسلام انغلقت على أنفسها وحوّرت التسامح على طريقتها، مشيرا إلى أن موضوع التنظيم الإعلامي المطروح أما مجلس الشورى سيغطي جميع الموضوعات المطروحة، مبينا أن تداخل العمل بين الجهات هو ما أخر هذا طرح التنظيم، موضحا أن اللجنة الشرعية في المجلس تبحث عددا من الأنظمة وقد تم التواصل مع عدد من الجهات صاحبة الاختصاص لكي يتم إصدار أنظمة وتشريعات تتناسب مع الإعلام.