منذ أن كتب بول كيندي كتابه الشهير عن نشوء وصعود القوى العظمى لم تهدأ الكتابات الأكاديمية وخاصة الغربية في البحث عن المصير، حالهم حال الأمم السابقة. وما عزز الشعور بالخوف هو السقوط المدوي للاتحاد السوفيتي في العام 1989 ومنه تفردت الولاياتالمتحدةالأمريكية بالقرار العالمي وتحول العالم إلى عالم أحادي القطب وغاب السوفيت في غياهب التاريخ. ما كتبته ماهو إلا مقدمة بسيطة تعقيبا على مقال الكاتب والأستاذ مازن السديري في صحيفة الرياض بعنوان: لماذا سوف تبقى الريادة للولايات المتحدة والتي حلل فيها أسباب بقاء الولاياتالمتحدة في موقع السيادة العالمية ولن تتنازل للصين أو لأي قطب آخر. وفي الحقيقة، فإنني أوافقه الرأي وأخالفه أيضا بنفس الوقت، لعدة أسباب. لأنني أولاً، مؤمن تماما بأن لكل صعود لا بد له من سقوط، وكلما كان الصعود عالياً جداً، كان السقوط مدويا بشكل مرعب. وفي رأيي، فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية (ربما) هي أقوى إمبراطورية عرفها التاريخ، وأعني بكلمة (قوة) هي القوة الشاملة بكل جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهذا ما دفع الأستاذ مازن (فيما أظن) من افتراضه بأن الصين لن تسد مكان الولاياتالمتحدةالأمريكية وهذا نظريا صحيح، فالقيادة العالمية تستلزم القيام بأعباء عالمية. فالعالم ليس فقط تبادل تجاري ومصانع، فهناك قضايا مهمة جدا، كالمناخ والطاقة والحروب الإقليمية والأهلية، بل وتراجع العولمة (كما أشار إليها معالي ياسر الرميان في منتدى المستقبل) وهذه قضايا لا تشغل بال الصين ولن تستطيع إحراز أي تقدم فيها (في المستقبل المتوسط على الأقل) حتى لو حاولت. ولكن هذا لا يعني بأن مصير الولاياتالمتحدة هو البقاء للأبد، بل هو مجهول وأقرب إلى الأفول فيما أرى، كحال الحضارة الغربية والتي عبر عنها ارنولد توينبي في دراسة الشهيرة (دراسة في التاريخ). أو كما في مناظرة فريد زكريا مع جوزيف ناي والتي ابتدأها بتساؤل هو: هل صارت أفضل أيام أمريكا خلفنا!!. وحتى لا أطيل على القارئ العزيز، فإن أكثر السيناريوهات المستقبلية تفاؤلاً، لا تشمل بقاء الولاياتالمتحدة في موقع السيادة العالمية طويلاً، وفي نفس الوقت لن يقف العالم مكتوف الأيدي في انتظار من سيخطف الزعامة، بل وتشير الدراسات لتحول العالم لحالة جديدة من اللاقطبية ستسود العالم، والتي ستتجه لمن سيمتلك محركات المستقبل والتي سيكون او لمحركاتها هي امتلاك التقنية بكل جوانبها في الفضاء والرعاية والصحة والغذاء والتعليم. فالولاياتالمتحدة تعيش أسوأ أيامها بالفعل، فالمشاكل الداخلية تتعاظم بشكل متسارع والحلول المقدمة لا يمكنها إلا أن تخفف من وتيرة هذا التسارع. وذلك فإن المناورات التي تجريها أمريكا في أوكرانيا ضد الروس وفي تايوان في استفزازها للصين، ماهو إلا محاولة جر هؤلاء لمشاكل أخرى غير التفكير في تطويق الولاياتالمتحدة، وهذا ما يحدث والله أعلم.