حظيَ مُلتقى الترجمة الذي أقامته هيئة الأدب والنشر والترجمة ما بين 03-04 / 11 /2022م الموافق 9 - 10 /04 / 1444ه بمخرجاتٍ ثقافيةٍ علميةٍ تقنية، ولقيَ إقبالاً وحضورًا لافتًا؛ ذلكَ لثماره المتوقعة والعناية التي لقيها؛ سواء على مستوى الإعداد والتنظيم أم على مستوى الورش والجلسات الحوارية مع نخبةٍ مُميّزة من أهلِ الخبرة ومحترفي الترجمة مع محاورين ذوي كفاءةٍ وقدرةٍ ودراية؛ مما أضفى على المواضيع المُثارة فوائدَ وفرائد في جلساته التسع؛ التي كانت أولاها الترجمة في قلب التواصل الثقافيّ العالميّ وثانيها دور الذكاء الاصطناعيّ والتقنية في صناعة الترجمة، وكان لهاتين الجلستين مذاقٌ مُميّز؛ من حيث الضيوف والمحاورين وما دار خلالهما من مداخلات غذّت الحوار. أمّا الجلسة الثالثة فكانت حول البرامج التدريبية في مجال الترجمة واحتياجات سوق العمل، والجلسة الرابعة حول الجودة في إدارة مشاريع الترجمة، وبنظري أنّ هاتين الجلستين بينهما ارتباطٌ وثيق، وأحسن منظمو الملتقى بوضعهما متتاليتين، فكانت مخرجاتهما مثرية للمُستمع؛ خاصة من يريد الخوض في مجال احتراف الترجمة. وكانت الجلسة الخامسة حول ترجمة ألعاب الفيديو. والجلستان السادسة والسابعة حول الترجمة الأدبية في عصر التقنية: سحر البيان أم التبيان، والترجمة السياحية: رفاهية اللحظة أم إستراتيجية المستقبل، وبظنّي أنهما مترابطتان، وقد تكونان متلازمتين، فالترجمةُ السياحية لابد أن تأخذ من البيان وجودة الكلمة ورسمِ خُططٍ يكون لها أسلوبها المُميّز وكلماتها المُنتقاة، وأن تبعد عن العامية؛ ذلك أنّ الإيغال بالعامية يُضعف الترجمة والمترجم معًا. وكانت الجلسة الثامنة حول الترجمة الإبداعية لأغراض الإعلان والتسويق. وخُتم ملتقى الترجمة بالجلسة التاسعة؛ التي كانت حول ترجمة الأفلام والمحتوى المرئيّ. لقد كان للملتقى طعم وذائقة متفردة، ولمَ لا والقائمون عليه أدباء ومترجمون مميّزون، فهيئة الأدب والنشر والترجمة ذات باع، وأي باع من مجالِ الثقافة والإبداع، وإن كان عمرها الزمنيّ قصير؛ إلا أنّ القائمون عليها لهم خبرتهم وذائقتهم الأدبية، ومن أولئك المبدعين المثقفين تلك المرأة التي مُكّنت وتمكّنت، رئيسة قطاع الترجمة الدكتورة هيلة الخلف، أستاذ الأدب الإنجليزي المساعد في كلية اللغات بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن سابقًا؛ إذ كان لها الأثر المُميّز والحضور اللافت في ملتقى الترجمة. وكان كل ما في الملتقى يحكيَ قصّة نجاح، فإعداده وتنظيمه قصّة، ومكانه وحضوره قصةٌ أخرى، وجلساته ومحاوره ومحاوروه قصصٌ تُروى، ونيلُ جوائزه قصصٌ تُحكى؛ إذ حصدت جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن كعادتها الجوائز، حيثُ حاز المركز الأول في هاكاثون الترجمة المُصاحب للملتقى فريقٌ مكوّن من طالبة الترجمة ليان العودة وخريجة الحاسب ريم الرويلي؛ إذ عملتا على تطبيق يهدف إلى مساعدة المستخدمين في ترجمة وتصنيف (الخطوط والنقوش) من اللغات المندثرة في الآثار القديمة كالصخور المنحوتة وغيرها، ويقدم معلومات عامة عنها بلغة يتحدثها المستفيد، كما يقدم التطبيق القدرة على التنبؤ بالنصوص الناقصة في الآثار المكتوبة أو المنقوشة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. وقد أحسنت هيئة الأدب والنشر والترجمة صُنعًا باختيارها الترجمة والتقنية موضوعًا للملتقى، فالترجمة والمترجمون بحاجةٍ ماسّة بل مُلحّة إلى مثل هذه المواضيع؛ التي تهمُّ المهنة ومحترفيها؛ إذ إنّهم بحاجةٍ إلى بناءٍ ثقافيّ مُطّرد ومتابعةٍ مستمرةٍ، وثقافةٍ واسعةٍ، ومواكبةٍ لكلِّ ما هو جديد، وبالأخص ما هو تقنيّ؛ إذ هو عصبُ الحياة في ميدان الترجمة وشريانها النابض، فلا ترجمة واعية دقيقة بلا تقنية مُبدعة. الملتقى سلط الضوء على إشكاليات الترجمة