سفر جميل ورشيق في ثنايا رحاب الحرف الذي لا يخفت بريقه، يأتي بوجهه المشرق ليسعد القلوب بالجمال خاصة عندما يناول الكاتب إبداع مُبدع وسيرته من عدّة جوانب، فهناك العديد من الكُتُب ترى وأنت تغرق في بحر قراءتها ما بين المدِّ والجزر أن عنوان الكتاب كان معبراً تماماً عن مضمونه، يشعل جذوة الفكر، مبلوراً ما احتوت صفحاته.. كتاب «ابن الثقافة.. وأبو الرواية حامد دمنهوري» من جمع وتقديم د. عبدالله بن عبدالرحمن الحيدري ينطبق عليه هذا الوصف فهو يميط اللثام عن أدب حامد حسين دمنهوري - رحمه الله - الأديب السعودي (1340 - 1385ه) متعدد المواهب: قرض الشعر، وكتب القصة، وعالج المقالة، وأبدع في الرواية، وبها عُرف أكثر من أي جنس أدبي آخر أنتج عنه. وإذا ما نظرنا إلى تاريخ ميلاد حامد دمنهوري، وهو عام 1340ه / 1922م، وربطنا اسمه مع مجايليه من الأدباء الذين ولدوا في هذه السنة أو قبلها أو بعدها بقليل من مثل: أحمد محمد جمال، وعبدالعزيز الرفاعي، وحسن بن عبدالله القرشي، وغيرهم وجدنا أن هذا الجيل تفتح على وجود نهضة أدبية تتسم بالشمول في الإنتاج: شعراً ونثراً، مع بدء عدد من المطبوعات بالصدور والانتشار، وفي المقدمة: أم القرى، وصوت الحجاز، والمنهل؛ ومن هنا وجد هذا الجيل السبل أمامه معتمدة من خلال الجيل السابق له: جيل محمد سرور الصبان، وأحمد بن إبراهيم الغزاوي، ومحمد حسن عواد، وعبدالقدوس الأنصاري، وحمد الجاسر، وغيرهم، ووجدوا التشجيع ومنافذ النشر مشرعة، فبدؤوا الكتابة في وقت مبكر، مع أنهم واجهوا مشكلة توقف الصحف خلال الحرب العالمية الثانية في المدة من 1360 - 1364ه (1939 - 1945م)، ولكن هذا التوقف ربما أسهم في تكوين ثقافتهم من خلال القراءة المكثفة والاطلاع، ومتابعة أحداث الحرب، وكل هذه روافد لا يستهان بها. فكرة الكتاب لكل كتاب قصة، تبدأ من فكرة في مخيلة المؤلف حتى تنتهي، وعن فكرة الكتاب هذا الكتاب يقول المؤلف: «تعود فكرة هذا الكتاب إلى عشر سنوات مضت - على الأقل - عندما كنت خلال المدة من (1419 - 1422ه) أجمع إنتاج حسين سرحان الله من الصحف والمجلات السعودية إذ خطر في بالي أن أجمع مقالات حامد دمنهوري أيضا في كتاب أصدره بعد انتهائي من أطروحة الدكتوراه عن حسين سرحان، وتشجعت لبدء تنفيذ الفكرة لكون إنتاجه محدودا يمكن حصره بين سنتي (1366 - 1385ه)، وهي مدة قصيرة تساعد على تتبع جميع الصحف السعودية وتصوير ما فيها، ووجدت من بين أوراقي مراسلة بيني وبين ابنته الدكتوره ثريا تاريخها (3/ 6/ 1423ه) أخبرها بعزمي تأليف كتاب عن والدها. وقد بدأت التصوير من مجلة المعرفة، ثم انتقلت إلى مجلة المنهل، ثم جريدة اليمامة، وتوافر عدد لا بأس به من مقالاته. وتركت الملف بما فيه سنوات عديدة أنتظر فراغا يمكنني من المسح النهائي للصحف والتنسيق مع أسرته بشأن نشرها، ومرت الأيام سراعاً دون أن أصنع شيئا. ويشاء الله أن أعود إليه عام 1428ه عندما أسند إليّ قسم الأدب بكلية اللغة العربية بالرياض مهمة الإرشاد العلمي للباحثة الأخت موضي بنت عبدالله الخلف إذ استشارتني - دون أن تعلم شيئاً عن اهتمامي بدمنهوري - بأن تعد أطروحتها للماجستير عن حامد دمنهوري، ففرحت أشد الفرح بهذه الرغبة وسعدت بأن تقوم طالبة ماجستير بالكتابة عن واحد من أهم أدبائنا السعوديين، وشجعتها على ذلك، وبدأنا التخطيط، وزودتها بقائمة ببليوجرافية عنه، وبدأ العمل بجد واجتهاد، وزارت أسرته، وحصلت على مقالات لم أكن أعلم عنها، وزودتني بها مشكورة، وسجل موضوعها رسمياً بإشرافي في عام 1429ه بعنوان «حامد دمنهوري: حياته وأدبه»، وعلم بعض الأصدقاء، ومنهم أ. سعد بن عايض العتيبي بفكرة هذا الكتاب فأخذ يلح علي دائماً بأن أسارع في إخراجه». المحتوى يضم هذا الكتاب كامل الإنتاج الأدبي لحامد دمنهوري «باستثناء الرواية»، ويشمل: المقالات، والخطب، والقصائد، والقصص القصيرة، ومصادر جمعها الصحف والمجلات السعودية، وبعض كتب المختارات. فأما المقالات فعددها خمس وثلاثون مقالة رتبت بحسب أقدميتها في النشر، وأولها مقالته «نشأة شعر الكونيات في الأدب العربي» المنشورة في جريدة البلاد السعودية عام 1366ه / 1947م، وعمره ست وعشرون سنة. ونشرت مقالاته في عدد من الصحف والمجلات سعودية، وهي: مجلة المنهل، ومجلة المعرفة، وجريدة البلاد سعودية «وجريدة البلاد أيضاً»، وجريدة اليمامة، وجريدة الندوة.. ولجريدة اليمامة نصيب الأسد منها إذ نشر فيها ست عشرة مقالة خلال عامي 1383 و1384ه، ومعظمها في زاويته الثابتة «تجارب الآخرين». العالم الصغير آخر مقالة كتبها الأديب السعودي الراحل حامد دمنهوري المنشورة في جريدة المدينة العدد (2525) عام 1392ه / 1972م، أي بعد وفاته - رحمه الله -، نقتطف منها قوله: «بل هو العالم الكبير بمسافاته الطويلة ومساحاته الشاسعة، حينما نقرأ كتب التاريخ، نعجب لتطوره الذي وصل إليه اليوم فقد تبدل كل شيء وتغير، وتطور إلى ما هو أحسن، حينما كان صاحب البريد يختار من الدواب أجودها ليقطع المسافات الشاسعة في وقت قصير ليوصل الرسائل إلى جهاتها في أقرب وقت ممكن، وحينما كان الوالي يبعث رسوله إلى القرى يعلن لهم ثبوت رؤية هلال العيد، كانت المساحة التي تفصل المدينة الرئيسية أو العاصمة حيث يقيم الوالي وبين المدن الأخرى تعتبر في عرف أصحاب تلك الأزمان مسافات طويلة. فيحمد المقيم في المدينة إقامته قرب الوالي وحيث يستطيع أن يعرف هل هو صائم غداً أم فاطر. أما اليوم فقد تضاءل هذا العالم، تضاءل أمام العلم والاختراع والتنظيم. في أوروبا، في معظم مدنها تجد صندوق البريد العاجل تضع رسالتك فيه، وقد كتب على وجه الصندوق الوقت المحدد الذي تجمع فيه الرسائل. ربما يكون جمعها بعد نصف ساعة أو ساعة، تضع الرسالة في الصندوق وأنت مطمئن بأنها ستصل إلى يد صاحبك المقيم في أي مدينة من المدن الأوروبية في بضع ساعات». من أجواء الكتاب في إطار قراءتنا لهذا الكتاب يظهر للمطلع على مسيرة حامد دمنهوري - رحمه الله - أنه كان هاوياً للكتابة في وقت مبكر من حياته، وربما كانت من أهم العوامل التي أسهمت في ذلك. إلى جانب موهبته. إقامته في مصر للدراسة الجامعية خمس سنوات في المدة من 1360 - 1365ه (1939 - 1946م) تقريباً، فدرس في دار العلوم بالقاهرة وحصل منها على الدبلوم، ثم على الشهادة الجامعية من كلية الآداب بجامعة الإسكندرية، فهذه الإقامة في اثنتين من أهم المدن الثقافية العربية شكلت جوانب مهمة من ثقافته في مسارين: المسار المنهجي المتمثل في الدراسة الجامعية، والمسار الثقافي الحر المتمثل في اقتناء الكتب وقراءتها، ولقاء الأدباء والمثقفين، وحضور الندوات الأدبية، والمناقشات الثقافية، والعروض المسرحية، ومعارض الكتب، وغيرها. وقد كان هذا الجو الثقافي الثري وقوداً فعالاً أسهم في تشكيل روح حامد دمنهوري المتوثبة الراغبة في رفع مستوى الوطن: تعليمياً وثقافياً، وهو ما ظهر بشكل مباشر في مقالاته، وبشكل غير مباشر في روايتيه: «ثمن التضحية»، و»ومرت الأيام». المؤلف في سطور * من مواليد محافظة ثادق بمنطقة الرياض. * نال الشهادة الجامعية في اللغة العربية وآدابها عام 1406ه / 1986م من جامعة الملك سعود، والماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1417ه / 1996م، والدكتوراه من الجامعة نفسها عام 1423ه / 2002م. * حاصل على جائزة ومنحة الملك سلمان «دارة الملك عبدالعزيز» عن بحثه «علي جواد الطاهر وجهوده في التأريخ للأدب في المملكة». * يعمل حالياً أستاذاً بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية «كلية اللغة العربية، قسم الأدب»، ورئيس وحدة خدمة المجتمع في الكلية * رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي بالرياض في المدة من «1434. - 1438ه». * نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للأدب العربي «جامعة أم القرى» في المدة من «1434 - 1441ه». * عضو اللجنة الاستشارية في مجلس أوراف الأدبي بالرياض، وعضو هيئة تحرير المجلة الدولية للغة العربية وآدابها. * عضو اللجنة الاستشارية في قيصرية الكتاب بالرياض. * عضو مؤسّس في مجلس إدارة جمعية العناية بالمكتبات الخاصة. * صدر له عشرون كتاباً في إطار تخصصه الدقيق «الأدب والنقد»، منها: السيرة الذاتية في الأدب السعودي، ابن الثقافة وأبو الرواية حامد دمنهوري، دليل الرسائل الجامعية في الأدب والنقد، ملامح ورؤى، في حقول الشعر، وغيرها.