لم تكن الموسيقى ذات الفكر الأخاذ، موجودة بيننا في المملكة، كنا في قالب الألوان البيئية والفنون الكلاسيكية، كنا قبل ذلك نسمع على مقدرة العلاج بالموسيقى، كانت فعلاً مثل الأحلام أو الكلام الذي نحكيه مصفصفاً، لا نعرف ماهية إمكاناته، حتى بدأت الموسيقى المختلفة تغزو أفكارنا وثقافتنا المليئة بالفنون التقليدية وتغيرها، اِلتقينا السيدة ندى الحلبي، مديرة الاستراتيجية وبرنامج مؤتمر «XB» لمستقبل الموسيقى لدى مدل بيست، لنتحاور معها عن كل اهتماماتها الموسيقية وأفكارها، فإلى الحوار: * كيف بدأ اهتمامك بهذا القطاع؟ o لطالما أحببت الموسيقى بشكل كبير وكنت أحضر دائماً المهرجانات والفعاليات الموسيقية في جميع أنحاء العالم. وبعد حضوري لمهرجان Burning Man الموسيقي ومهرجانات EDC للموسيقى الراقصة ومواسم الموسيقى في إيبيزا، أدركت الأثر الإيجابي للموسيقى على الناس وقدرة هذه الفعاليات على بناء جسر يصل بين عشاق الموسيقى. بعد هذه التجارب الرائعة حصلت على شهادتي في العلاج بالصوت وشعرت بحاجة إلى جلب الطاقة الإيجابية التي يوفرها قطاع الموسيقى إلى وطني ومكاني المفضل، المملكة العربية السعودية. كما أن مشهد الأندرجراوند الموسيقي في المملكة غنيّ بالإمكانات غير المستغلة لدى الفنانين وكان عليّ أن أفعل شيئاً حيال ذلك كي أمنح هذه المواهب منصة وفرصة للتألق. * ما المهام التي تقومين بها في عملك يومياً؟ o عندما تكون جزءاً من فريق وأسرة مدل بيست، لا يوجد جدول زمني محدد فيما يتعلق بالمهام اليومية، فكل يوم يأتي بمغامرات ومفاهيم ووجوه وتجارب جديدة. وأستمتع بالتأكيد بالتنقل بين الاجتماعات والتحقق من رسائل بريدي الإلكتروني والاجتماع مع العملاء والوجود في الفعاليات، لكن أحب دائماً أن أحتفظ بمساحة مفتوحة لما هو غير متوقع. وهذه ليست وظيفة تقليدية تبدأ من التاسعة صباحاً وتنتهي الساعة الخامسة مساءً، حيث أعمل أنا والعديد من أفراد أسرة مدل بيست على مدار الساعة لمواكبة المناطق الزمنية المختلفة ومتطلبات العملاء والمشاريع، وليس هناك شيء آخر أفضّل القيام به. ويتطلب حجم العمل الذي يتم إنجازه في جميع مشاريع مدل بيست طاقة وشغفاً كبيرَين. وسواء كانت مشاريع أم فعاليات فردية أو تحويلاً كلياً لقطاع الموسيقى والترفيه هنا في المملكة، فإن الدافع الأساسي الذي يحفزني لأحقق الأفضل هو حبي للموسيقى وخلفيتي في العلاج بالصوت. ولطالما أحببت ما أفعل وفعلت ما أحب، فأنا على استعداد للعمل على مدار الساعة خاصةً عندما يكون ما أفعله يُسهم بتغيير مسار تاريخ الموسيقى. * ما بعض أبرز الإنجازات التي حققتِها في حياتك المهنية حتى الآن؟ * كان من بين أهم إنجازاتي أن أتيحت لي فرصة العمل على مشاريع تحويلية مذهلة في السعودية وقطر ضمن القطاعات الحكومية والعامة مثل وزارة الصحة ووزارة الدفاع والديوان الملكي. ومن الإنجازات الأخرى التي أفتخر بها حقاً هي إتمام دراساتي العليا في سان دييغو، حيث تمكنت أيضاً من العمل على مشاريع كبرى في القطاع العام. وبعد استثمار المزيد من التركيز والوقت في شغفي بالموسيقى، حصلت على شهادة العلاج بالصوت والتي أدّت إلى العديد من الإنجازات وبدء مسيرتي المهنية في قطاع الموسيقى. وكان أحدث إنجاز لي والأكثر أهميةً بالطبع هو تسلّمي لمنصب مديرة الاستراتيجية لدى شركة مدل بيست، وهو منصب له العديد من الأدوار التي تشرّفت بالقيام بها لإعادة تعريف سمات وماهية قطاع الموسيقى في بلدي. * هل سبق لكِ أن شهدتِ أو تعرضتِ لأي شكل من أشكال التمييز في مكان العمل؟ * شهدتُ التمييز بالتأكيد في مكان العمل عدة مرات وفي بيئات متعددة. ومع ذلك، لا أستطيع أن أقول إنني تعرضت شخصياً للتمييز في مكان العمل. ومررت بلحظات لم يكن فيها الشخص (عادةً رجل) يأخذني على محمل الجد لأنني امرأة، أو مررت بلحظات لم أكن فيها مؤتمنة على القيام بالمهمة لأنهم لم يعلموا بإمكاناتي أو لم يؤمنوا بقدراتي كامرأة. ولهذا السبب، كان عليّ أن أعمل بجهد مضاعف مقارنةً بما يبذله أي رجل آخر في مكان العمل كي أتمكّن من إثبات نفسي كموظفة مؤهلة بما يكفي لإنجاز المهام كما يجب. وإن عدنا بالذاكرة إلى الماضي، نجد أنه لم يكن هناك من سبيل لأصل إلى ما أنا عليه اليوم لولا شجاعتي والليالي التي قضيتها بالعمل وإيماني بنفسي وقدراتي. * هل تشعرين أنّ المرأة لا تزال تواجه تحديات أكبر من الرجل في اقتحام قطاع الموسيقى؟ وإن كان الأمر كذلك، ما الخطوات التي يتم اتخاذها حالياً لمعالجة هذا التحدي؟ * أعتقد أن أحد التحديات المتكررة التي تواجه المرأة في قطاعنا هو التمثيل، حيث لا يُمنح عدد كافٍ من النساء الفرصة لإثبات أنفسهن في المجال لأنه يميل إلى أن يكون صعباً بسبب سيطرة الذكور عليه بشكل عام. وسواء كنا نتحدث عن المؤدّين أو الفنانين أو الجمهور أو المديرين التنفيذيين، يجب أن تُمنح الأولوية لتكافؤ الفرص والتمثيل والعمل. ويمرّ قطاع الموسيقى العربية والسعودية بتحوّل تاريخي وينبغي أن تكون المرأة قادرة على المشاركة في مسيرة التغيير الهائل الحاصلة اليوم. رأيت بعض التغيير بالتأكيد، حيث إنّ عدد النساء اللواتي يدخلن بشكل تدريجي ومتزايد في مجال الموسيقى السعودي أمر لم نشهده من قبل، وهذه مجرد البداية. ولتعزيز نمو المرأة في قطاع الموسيقى، يجب أن نتعامل مع هذا التحدي كمجتمع لضمان قيام كل واحدة منا بدورها وتخطي هذا التحدي. وهذا موضوع يسعدنا الحديث عنه في مؤتمر إكس بي لمستقبل الموسيقى. وسيكون "النساء في قطاع الموسيقى" أحد موضوعاتنا الأساسية حيث سنناقش القيمة التي تضيفها الفنانات إلى القطاع والخطوات المستقبلية الضرورية التي يجب اتخاذها الآن. وعلى الرغم من أنّ الطريق طويل إلا أننا على أتم استعداد للخوض في هذا المسار اليوم! * ما شعوركِ كونكِ جزءاً من هذا التحول الثقافي الهائل الذي يحدث في المملكة اليوم؟ * أعتقد أن الموسيقى كانت جزءاً من ثقافتنا منذ البداية. وكانت الأنواع الموسيقية مثل موسيقى الهيب هوب والراب تنتشر خلال العشرين عاماً الماضية، لكن معظمها كان أندرجراوند ودون تسليط الضوء عليه. ويعيش الحب والحماس تجاه الموسيقى في داخلنا منذ فترة طويلة لكننا بدأنا الآن باتخاذ خطوات نحو قيادة التغيير الثقافي والإبداعي الذي يتيح الظهور لجميع الإمكانات غير المستغلة في المملكة. وأفضل شعور يمكن أن يمر به الفرد هو أن تتاح لك الفرصة للمساهمة في دعم مثل هذا التغيير والتقدّم المهم في وطنك. وسنجمع خلال مؤتمر إكس بي لمستقبل الموسيقى لدينا بعضاً من أبرز الأسماء في قطاع الموسيقى. والهدف ليس فقط دفع مسيرة التحول الثقافي والإبداعي، وإنما التحول الاقتصادي أيضاً. ونعتبر تحقيق أقصى استفادة من الموارد والمواهب المحلية مع تنمية اقتصاد الموسيقى لدينا في الوقت نفسه شيئاً رائعاً جداً. * ما نصيحتك للشابات الراغبات في دخول قطاع الموسيقى؟ o نصيحتي لأي من الشابات اللاتي يفكرن في دخول قطاع الموسيقى هي أنّ الآن هو الوقت المناسب لاتخاذ هذه الخطوة، فالفرص موجودة ولديكِ دعمنا الكامل (وخصوصاً دعم جميع النساء في المجال. ونشجعكِ على المضيّ في هذه الخطوة!). وكونكِ امرأة هو أحد أصول قطاع الموسيقى المتنامية باستمرار. ومن المؤكد أنك ستواجهين بعض العقبات، لكنها رحلة وعرة للجميع، إلا أنها تستحق العناء في النهاية. ولن يغير نجاحك المهني حياتك فحسب، وإنما سيُحدث علامة فارقة أيضاً في قطاع الثقافة الموسيقية بأكمله وتاريخ المملكة. * ما آمالكِ بالنسبة لمستقبل مدل بيست وقطاع الفعاليات الترفيهية في السعودية بشكل عام؟ * بعد حدثنا الأول مهرجان ساوندستورم الموسيقي في عام 2019، لم يكن الأثر الاقتصادي والاجتماعي شيئاً توقعه أيّ منا، حيث وفر منصة للعديد من المواهب في المنطقة وسمح للسكان المحليين بالتعرف على هذه المواهب غير المتوقعة. ويعتقد 83 % من الشباب السعودي أن مهرجان ساوندستورم الذي أقيم عام 2019 زاد من فرص الموسيقيين والمبدعين المحليين في البلاد. وأشار 86 % من الشباب السعودي إلى أنهم كانوا أكثر فخراً بالإبداع والثقافة في المملكة بفضل النسخة الأولى من المهرجان. وكانت هناك زيادة بنسبة 36.5 % في الطلب على الفنانين العالميين الذين قدّموا عروضهم في مهرجان ساوندستورم الموسيقي 2019 لمدة 12 شهراً بعد الحدث كما ورد في تقرير IMS. وهذه كانت مجرد البداية فقط. ونأمل بعد هذه الإنجازات الهائلة، أن يشعر عامة الجمهور العربي بثقة أكبر بنا لقيادة النمو المستمر للمشهد الموسيقي في المنطقة. كما نأمل بأن يؤمنوا بأهداف مدل بيست وأن يساعدونا في تحقيق هذا الهدف. ولا بدّ من التنويه إلى أنّ مدل بيست ليست مجرد شركة للفعاليات الترفيهية، وإنما عنصر أساسي في تنمية اقتصاد الموسيقى في المنطقة ورسم الملامح المستقبلية لقطاعيّ الموسيقى والترفيه. والطريقة الوحيدة لننجح في ذلك هي إن كان الجمهور العربي جزءاً من الرحلة. حفلات «ساوند ستورم» لعام 2021 ندى الحلبي مديرة الاستراتيجية وبرنامج مؤتمر «XB» لمستقبل الموسيقى