بين واحات الأحساء الخضراء، ووسط نخيلها الوارفة الظلال، وعلى ضفاف عيونها العذبة، قضينا ثلاثة أيامٍ جميلة مملوءة بالخضرة والبياض، ومن حولنا البساتين، والرياض، وأهل الأحساء الكرام الطيبون، الذين غمرونا بحسن معشرهم، وحفاوة كرمهم، وحسن استقبالهم، في ذلك الكرنفال الوطني، والعلمي، والثقافي الذي نظّمه نادي الأحساء الأدبي تحت رعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن طلال بن بدر آل سعود محافظ الأحساء، وتخلل ذلك الحفل البهيج عدد من الفعاليات المتنوعة بمناسبة اليوم الوطني الثاني والتسعين، كان من بينها ملتقى (جواثى السادس) الذي حمل عنوان (رهانات الإبداع في المشهد الثقافي السعودي)، وكان لنا شرف المشاركة فيه مع كوكبة من المبدعين والمتميزين، بورقة تحمل عنوان (أدب الرسائل النسائية في المملكة العربية السعودية، دراسة تداولية لبعض النماذج الرائدة والمعاصرة). كان كل شيء من حولنا أخضر، فنحن في منطقة خضراء، وفي زمن يحتفي بالوطن ذي الراية الخضراء، كانت الشوارع، والميادين، والأسواق مكسوة بالأخضر، والأبيض، وما أجمل (الخفاق الأخضر، يحمل النور المسطر)، يرفرف عالياً في كل مكان، لونان ينضحان بالدلالات الإيجابية، حيث النماء والصفاء، والقوة والكرم، والشموخ، والعراقة، فاللون الأخضر يوحي بالخصب، والنمو، والظل، والأمان، ولو نظرنا إلى النباتات لوجدناها أجمل ما تكون عندما تكتسي بالخضرة التي تدلّ على نمائها، ونداوتها، وطراوتها، ونضارتها، وكذلك اللون الأبيض؛ إذ هو لون النور، والصفاء، والجمال، والجلال، ولو ربطناه بلمعان السيوف، وإيماض البروق، وشروق الأنوار، وبياض السحاب، لأدركنا جماله وبهاءه. وإذا كان لكل لونٍ دلالاته وجمالياته التي لا تدرك إلا من خلال حاسة البصر؛ فإن اللون كما يعرّفه فلاسفة الفن المعاصر: هو «ما يروق العين» أي ما يجعلها تسعد، وتطرب حينما تنظر إلى هذا اللون المعين؛ فترتاح له، وتطمئن إليه؛ ولذلك فإن لكل لون سيميائيته الخاصة، وعلاماته الدالة التي توحي بالمعنى، وتدل عليه، وربما تكون إشاراته مليئة بالبلاغة والجمال، ولا سيما إذا تآلف لونان منسجمان في إطار واحد، عندئذ يشكّل تآزرهما واندماجهما مزيداً من الإيحاءات والجماليات، ولعل من أمثلة ذلك التمازج اللوني تناغم ألوان الفعاليات التي نظمها نادي الأحساء الأدبي في هذا التوقيت تحديداً، فشكراً لرئيس النادي د. ظافر الشهري، وفريقه من المنظمين على هذه الأنشطة التي تنطق بالعديد من السيميائيات المتميزة. ولقد زاد من جمال هذه الرمزيات الوطنية والعلمية والثقافية أنها تزامنت مع يوم الوطن الذي يذكرنا بالشموخ، والمجد، والعز، والتمكين، الذي وطّد أركانه، وثبّت أسسه وبنيانه الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود. -طيّب الله ثراه- وها نحن اليوم نبلغ بفضل الله ثم بفضله المجد والسؤدد، وقد بلغ بنا الوطن عامه الثاني والتسعين في ظل قيادة رشيدة، وحكومة فريدة، ونهضة جديدة، في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز. -حفظه الله- وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -سلمه الله- صاحب الرؤية والتجديد، وأمير الطموح الذي يصعد برايته الخضراء والبيضاء نحو آفاق بعيدة المدى؛ لتجعل من هذين اللونين رمزاً للتفوق، والمعالي. إن للونين الأخضر والأبيض سيميائيتهما المتوهجة؛ فقد توقف عندهما الفنانون، والشعراء، والكتّاب، ورأوا فيهما موطناً خصباً للجمال، وفضاءً رحباً للتأنق والتألق، ونحن اليوم نرى فيهما روح الوطن، وقوة قادته، ووفاء شعبه، وجمال خيراته، وأصالة أرضه، وعراقة تاريخه ونماء أمجاده، وكل عام أنت بخير ورخاء يا وطني.