بعد أحدث التحذيرات الروسية باستخدام السلاح النووي، إذا تعرضت قواتها لمزيد من الضغط في أوكرانيا، يبدو أن الخيارات التي تواجه الرئيس بوتين، بعد الهجوم الأوكراني المضاد قاتمة، كون قيصر روسيا لن يقبل بالهزيمة وسيسعى في هذا الظرف الصعب لتحقيق النصر العسكري حتى لو تطلب الأمر أن "يصبح نوويا"، للرد على النكسات في ساحة المعركة. وبعد أن حث الرئيس الأمريكي بايدن موسكو بعدم استخدام الأسلحة النووية، أثيرت مخاوف من أن بوتين قد يستخدم في مرحلة ما وسائل غير تقليدية مثل الأسلحة النووية أو الكيماوية، خصوصا أن الجيش الأوكراني أجبر القوات الروسية مؤخرا على التراجع في هزيمة خاطفة في شمال شرق أوكرانيا الأسبوع الماضي، مما وضع بوتين تحت ضغط من القوميين في الداخل لاستعادة زمام المبادرة. وكان الرئيس الروسي بوتين نهاية شهر فبراير وبعد أسبوع من بدء الحرب مع أوكرانيا، بوضع قوات الردع النووي في «نظام خاص للخدمة القتالية»، في إشارة إلى تجهيز قوات نووية تكتيكية. وتؤكد روسيا من جديد حقها في استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا خصوصا إن عقيدة موسكو النووية لا تتطلب من الدولة المعادية استخدام مثل هذه الأسلحة أولاً، في الحرب بين روسياوأوكرانيا. لقد أرعبت تصرفات موسكو المحللين والمراقبين الدوليين، فكلما أبدى زعيم دولة نووية استعداداً لاستخدام أسلحة نووية، يستحق أن يؤخذ الأمر على محمل الجد. وينطبق هذا بشكل خاص على الحالة التي تكون فيها التهديدات آتية من رجل يسيطر على أضخم ترسانة أسلحة نووية في العالم، وقد انخرط أثناء إطلاقه التهديد النووي، بغزو عسكري واسع النطاق طال دولة مجاورة. ومنذ غزو روسيالأوكرانيا في 24 فبراير، أصدر الرئيس بوتين أوامر بزيادة مستوى التأهب للقوات النووية الروسية ووجه تهديدات نووية مبطنة باستهداف أوكرانيا أو من يساعدها من الدول الغربية. من جانبها حذرت صحيفة التايمز البريطانية، الغرب من أن بوتين، قد يلجأ للخيار النووي إذا نجح الهجوم المضاد الأوكراني في خيرسون. وقالت الصحيفة البريطانية في تقرير لها، إنه يجب دعم هجوم أوكرانيا المضاد في الجنوب، لكن النجاح الساحق قد يأتي برد مدمر. وأضاف التقرير: "هل يمكن أن ينجح الهجوم المضاد الأوكراني في الجنوب؟ من المتوقع أن يؤدي هجوم وحشد أوكراني أوسع نطاقاً في الربيع المقبل إلى نجاحات في ساحة المعركة وتحرير الأراضي التي استولت عليها روسيا، هذا قد يخلق مخاطر وتساؤلات أخرى أبرزها: هل سيميل بوتين إذا شعر بالهزيمة إلى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية لتغيير الوضع في ساحة المعركة؟". وبعد نحو سبعة أشهر من الغزو، لم يحقق بوتين أي أهداف حاسمة، فيما أثار قادة أوكرانيون وغربيون مخاوف من أن "اليأس" قد يدفع بوتين إلى استخدام ما يعرف ب"السلاح النووي التكتيكي"، أو السلاح النووي محدود التأثير. ويمثل السلاح النووي التكتيكي جهازا متفجرا يقوم بإطلاق شحنة تدميرية هائلة قادرة على "فصل نواة الذرة" من شدتها، وتترك مخلفات نووية مشعة في مكان التفجير يمكن أن تستمر بالإضرار بالكائنات الحية لعقود. وبالإضافة إلى الحجم الهائل للانفجار، وكون سلاحا نوويا متوسطا قادرا على أن "يمحو أجزاء من مدينة أو مدينة بأكملها في ثوان"، فإن التداعيات الإشعاعية طويلة الأمد، والتي تنتشر لكيلومترات عديدة وتبقى في التربة والمياه لعقود، هي أثر آخر لا يقل تدميرا عن الانفجار. لقد أثار الكرملين مرة أخرى شبح استخدام الأسلحة النووية في الحرب مع أوكرانيا حيث سعت القوات الروسية للسيطرة على مدينة رئيسة في جنوب البلاد. وتمتلك روسيا نحو 4500 رأس حربي نووي كبير في ترسانتها، وأيضا تمتلك نحو 2000 سلاح نووي تكتيكي محفوظة في مرافق تخزين في جميع أنحاء البلاد، تم تطويرها لاستخدامها ضد القوات والمنشآت في منطقة صغيرة أو في اشتباك محدود. وليس من السهل التنبؤ بمعنى تصريحات بوتين النووية المتجددة. وبهدف إبقاء الغرب في حالة ترقب متوترة، تعمّد الرئيس الروسي أن يكون غامضاً، وعلى الرغم من نبرته التي تنطوي على التهديد، فإن تصريحاته لا تتركز بشكل صريح أو حصري على الأسلحة النووية، إذ تشتمل "قوى الردع" بحسب تعريف روسيا، على ترسانتها النووية، وأيضاً على أنظمة توجيه الضربات التقليدية البعيدة المدى التي يجري فعلاً استعمال بعضها في أوكرانيا. ومع أن عبارة بوتين "نظام خاص للواجب القتالي" لم تُستخدم مِنْ قَبْل، إلا أنها لا تؤشر وفق ما يبدو، إلى تغيير جدي في موقف روسيا النووي. وحينما شرح سيرجي شويغو، وزير الدفاع الروسي، تفاصيل ذلك الأمر، ذكر أنه يتطلب توفير كوادر لمراكز قيادة القوة الاستراتيجية النووية الروسية، وكلها تتمتع فعليّاً بعدد جيد من الكوادر. بكلمات أخرى، لم يكن لتلك العبارة سوى القليل من المعنى الحقيقي. ولا تزال فرص تصعيد المواجهة التي تؤدي إلى استخدام الأسلحة النووية في أوروبا منخفضة. فهل ستلقي روسيا حقًا بقنبلة نووية على أوكرانيا؟ الإجابة الحقيقية على هذه الأسئلة تكمن، بالطبع في ذهن بوتين وبدون شك، لدى روسيا عقيدة عسكرية من المفترض أن توجه انتشار قواتها النووية مع بدء الحرب. وتشير التقديرات إلى أن روسيا اليوم لديها 1588 رأسًا نوويًا منتشرًا و2889 رأسًا احتياطيًا، وهو رقم مماثل لأميركا.. ووفقا لتقرير «الأيكونومست» بعنوان «هل ستطلق روسيا بالفعل أسلحة نووية؟» ليست هذه هي المرة الأولى التي يهدد فيها بوتين "بالسلاح النووي"، فقد فعل في عام 2014 خلال الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم، عندما تحدث القادة الروس علنا عن وضع الأسلحة النووية في حالة تأهب. وفي عام 2015، هددت روسيا السفن الحربية الدنماركية بالأسلحة النووية في حال انضمت الدنمارك إلى نظام الدفاع الصاروخي التابع لحلف شمال الأطلسي. ويقول المراقبون إن بوتين يحب التلويح بأسلحته النووية كتذكير للغرب (وربما لنفسه) بأن روسيا لا تزال قوة عظمى. وفي الأزمة الحالية، من الواضح أن بوتين يريد من الولاياتالمتحدة وحلف شمال الأطلسي أن يعرفا أنه إذا تدخل الغرب بالقوة العسكرية نيابة عن أوكرانيا، فقد يصل الصراع إلى استخدام ما يسمى بأسلحته النووية التكتيكية (أو "غير الاستراتيجية. ويعتقد المحللون، أن العقيدة النووية الروسية تدعو إلى تكتيك أكثر هجومية، وذلك بدلاً من مجرد الحماية. ويسمّون ذلك التكتيك بشكل متناوب ب"تصعيد من أجل خفض التصعيد" و "تصعيد من أجل الفوز". وكذلك يؤمنون بأنه إذا واجهت روسيا احتمال خسارة حرب تقليدية، فإنها ستلجأ إلى إطلاق سلاح نووي من أجل إظهار تصميمها وإجبار خصومها على التراجع. وإذا رغب بوتين في تصعيد الحرب إلى المستوى النووي، فإن جنرالاته سيقدمون له عددا من الخيارات التي تتدرج في الشدة كون بوتين لا يستطيع حتى مع سلطته الرئاسية، أن يأمر بشن هجوم نووي بمفرده. ويُعتقد أن هناك 3 حقائب نووية إجمالا تشكل "نظام القفل الثلاثي"، الذي يستغرق تفعيله نحو20 دقيقة؛ ولدى بوتين واحدة منها تحتوي على نظام من الرموز، وليس بها مفتاح نووي، وعند تشغيلها يُرسل الرمز إلى وزير الدفاع الروسي، وأخيرا يُرسل الرمزان إلى رئيس الأركان العامة الذي يمكنه-بدوره- تنفيذ الأوامر عندما تتجمع لديه مجموعات الرموز الثلاث. وخلال وقت السلم، يبدو أن روسيا تدير قواتها النووية بطريقة تخفف من خطر الاستخدام العرضي وغير المصرح به. يتمتع الرئيس الروسي بالقدرة المركزية على التصريح باستخدام الأسلحة النووية ويتم فصل الرؤوس الحربية النووية عن الصواريخ الباليستية، مما يمنع فعليا القادة من المستوى الأدنى من امتلاك أسلحة نووية، ناهيك عن استخدامها. ومع ذلك، إذا اقترب خصم مثل حلف شمال الأطلسي من الخطوط الحمراء لروسيا وهدد أمن الدولة أو نظام بوتين، فمن الممكن أن يأذن بوتين بنقل الرؤوس الحربية النووية إلى المشغلين العسكريين لزيادة جاهزية الترسانة في محاولة لردع الناتو عن تجاوز الخط الأحمر على الإطلاق. إن وضع الأسلحة النووية التكتيكية المجمعة بالكامل في أيدي القوات العسكرية الروسية من شأنه أن يزيد على الفور من احتمال الاستخدام النووي عن طريق فتح الأبواب أمام الاستخدام العرضي أو غير المصرح به. وقال فرانز ستيفان غادي، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، أنه كلما نجح الجيش الأوكراني، ازدادت المخاطر بأن يأمر بوتين باستخدام "سلاح نووي تكتيكي". ومن بين الخيارات لدى موسكو أن تقرر استخدام سلاح نووي تكتيكي فوق البحر الأسود "لوقف الزخم الأوكراني"، وهذا سيُنظر إليه على أنه "دليل على أن روسيا ستكون على استعداد لاستخدام الأسلحة النووية". ورغم أن المراقبون يرون أن الخطر لا يزال موجودا "، خصوصا أن لدى روسيا ما يكفي من قدرات الضربة التقليدية بعيدة المدى، لتدمير مدن مثل خاركيف وكييف" إذا أرادت ذلك، وهجوم بهذا الحجم من شأنه أن يجبر الناتو على الرد "فيما قال الخبير في الحرب الكيماوية، هاميش دي بريتون غوردون، إن إحدى الطرق البديلة لمعاقبة الأوكرانيين يمكن أن تكون تفجير محطة زاباوريجيا النووية أو غيرها من البنى التحتية الحيوية بضربة صاروخية تقليدية، وستكون النتيجة "أسوأ ب6 مرات من تشرنوبل". وأضاف أن "العقيدة الروسية تسمح لقادة موسكو باستخدام القنابل النووية التكتيكية لمنع الهزيمة، الأمر الذي يبدو مرجحا بشكل متزايد". ويعتقد غوردون أن بوتين مقتنع بأنه حتى لو استخدم سلاحا نوويا تكتيكيا، فلن ينتقم الناتو بقوته النووية. في حين قال بافيل بودفيغ، وهو أحد الخبراء البارزين في العالم في مجال القوات النووية الروسية، "لكي ينشر بوتين أسلحة نووية بموجب العقيدة الروسية، يجب أن يعتقد -أو يزعم أنه يعتقد- أن هناك تهديد الوجود الدولة الروسية"، وأشار بودفيغ إلى أن المسؤولين الروس أكدوا مرارا وتكرارا أنهم سيتبعون هذا المبدأ بصرامة. وأضاف أن قرار الكرملين بشأن نشرها سيتأثر بكيفية إدراك المجتمع الدولي الأوسع لإمكانية استخدام الأسلحة النووية. ويقول مايكل أوهانلون، زميل أقدم في معهد بروكينغز للأبحاث ومتخصص في استراتيجية الدفاع الأميركية واستخدام القوة العسكرية، إنه يعتقد أن تهديدات بوتين النووية جزء لا يتجزأ من نظرته وأساليبه ونظرته للعالم. وأضاف: «إنه يرى أوكرانيا أساسية بما يكفي للمصالح الروسية لشن هذه الحرب في المقام الأول، وبالتالي فإن التهديدات النووية ليست مفاجأة». ومع ذلك، ورغم حديث الكرملين عن وضع أكبر ترسانة نووية في العالم في حالة تأهب قصوى، إلا أن المراقبون لم يروُ الكثير من الأدلة العملية على عمليات نشر أو ترتيبات عسكرية من النوع الذي يعزز هذا القلق". ومن الواضح أن أوكرانيا قد أظهرت مقاومة أفضل بكثير للقوات الروسية مما توقعه الكثيرون ومع ذلك، للاستمرار في القيام بذلك، ستحتاج أوكرانيا إلى مزيد من المساعدة من الغرب-وهذا يجلب معه خطرًا يتمثل في أن الحرب قد تتصاعد ربما لتشمل الناتو. وقد يكون احتمال الاستخدام النووي في أوكرانيا غير واردا، لكنه ليس صفرا فالمحللون الذين يستبعدون بسرعة احتمال التصعيد النووي - وحتى معظم أولئك الذين يعبرون عن مخاوفهم بشأن الصراع النووي - يبالغون إلى حد كبير في تبسيط العديد من المسارات التي يمكن أن تؤدي إلى الاستخدام النووي، سواء كان ذلك عن قصد أو غير مقصود.