صناعة الصلب التي يتفرع منها مواد فلزية معروفة يطلق عليها الحديد والصلب، كغيرها من الصناعات التي مرت على مدى العصور الحديثة بصعوبات وتحديات كبيرة، لارتباطها الوثيق بالحالة الاقتصادية لأي دولة من دول العالم سواء بالمملكة أم بغيرها، وكون أن لها علاقة كذلك بقطاعات اقتصادية عديدة، من أبرزها وأهمها قطاع البناء والتشييد والمقاولات والبنية التحتية والفوقية، بما في ذلك صناعة السيارات والصناعات العسكرية وصناعة النفط والغاز والطاقة المتجددة وغيرها من الصناعات، والتي إذا شهدت تراجع في الأداء سوف ينعكس ذلك سلباً بدوره على قطاع وصناعة الحديد والصلب. وما يؤكد على ارتباط صناعة الحديد والصلب بالحالة الاقتصادية بكافة دول، ما تعرضت إليه الصناعة من صعوبات وتحديات وتراجع ملحوظ في الأداء في عام 2020 نتيجة لتداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد، التي تسببت في تراجع أداء جميع اقتصادات دول العالم دون استثناء، بما في ذلك القطاعات الاقتصادية والأنشطة المختلفة، التي من بينها قطاع الحديد والصلب. ومن المتوقع أن تستمر صناعة الصلب بجميع قطاعاتها وأفرعها في مواجهة العديد من التحديات المستقبلية والذي هو ليس بالأمر المستغرب في ظل عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية العالمية وارتفاع معدلات التضخم، إضافة إلى الحالة الجيوسياسية العالمية غير المستقرة، بسبب التوترات السياسية الحالية التي خلقتها الأزمة السياسية الروسية الأوكرانية، وما تبعها من تدخل أميركي أوروبي. وبسبب تلك الأسباب وغيرها هناك توقعات بأن تواجه صناعة الحديد والصلب تحديات وصعوبات كبيرة، قد تؤدي إلى تراجع كبير في الأداء المالي للعديد من الشركات التي تعمل في مجال صناعة الحديد والصلب على مستوى العالم، ما قد يضطر بعضاً منها إلى التوقف عن الإنتاج، وبالذات لاعتبارات قد يرتبط بعضها بالجهود العالمية لإزالة الكربون وكذلك بسبب ارتفاع أسعار الوقود العالمية وما يعرف أيضاً بمتطلبات البيئة والمجتمع والحوكمة ESG والتي يحرص من خلالها المستثمرون أو بواسطتها الالتزام بتطبيق عوامل غير مالية بشكل متزايد كجزء من عملية التحليل الخاصة بهم لتحديد المخاطر المادية وفرص النمو. تجدر الإشارة إلى أن اللجنة الوطنية لصناعة الحديد السعودية باتحاد الغرف التجارية السعودية، قد نظمت "المؤتمر السعودي الدولي للحديد والصلب" في نسخته الثانية خلال الفترة من 12 - 14 من شهر سبتمبر الجاري، والذي تناول جملة من التحديات التي تواجه صناعة الحديد والصلب في المملكة العربية السعودية والعالم معاً، وما يتصل بها من تطورات مستقبلية متوقعة في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية وانعكاساتها على واقع هذه الصناعة محلياً وعالمياً. يُذكر أن المملكة العربية السعودية تتربع على احتياطي من خام الحديد يقدر بنحو 780 مليون طن، وتبعاً لذلك فهي تتبوأ المركز العشرين عالميًا من حيث الطاقة الإنتاجية للحديد والصلب، كما أنها صُنِّفت في المركز الرابع بقائمة أكبر منتجي الصلب باستخدام عملية الاختزال المباشر الصديقة للبيئة، في حين يبلغ حجم سوق الصلب في المملكة نحو 12 مليون طن، ويبلغ عدد المصانع 41 مصنعاً بطاقة إنتاجية تبلغ 18 مليون طن، يعمل فيها 15 ألف فرد بين عامل وموظف. برأيي أن مستقبل صناعة الحديد بالمملكة، مستقبل واعد بصرف النظر عن التحديات التي يواجهها قطاع وصناعة الحديد في العالم بشكلٍ عام، وذلك لعدة اعتبارات، من بينها أن السعودية تشهد حركة بناء وتشييد غير مسبوقة منذ انطلاقة رؤيتها الطموحة والمباركة في عام 2016، وما تستهدفه الرؤية من تنفيذ مشاريع عملاقة في مجالات عدة، منها الصحية والتعليمية، بما في ذلك من مدن وجزر ومشاريع سياحية ضخمة، التي من بينها مدينة نيوم، ومشاريع مثل مشروع آمالا، ومشروع البحر الأحمر، ومشروع القدية، وغيرها من المدن والمشاريع السياحية والترفيهية الضخمة التي تقدر قيمتها بأكثر من تريليون دولار أميركي. هذه المشاريع وتلك المدن السياحية العملاقة، ستحتاج إلى أطنان وأطنان من الحديد لبنائها وتشييدها، هذا بالإضافة إلى ارتفاع الطلب المستقبلي المتوقع على الحديد في ظل توجه المملكة إلى صناعة السيارات والصناعات العسكرية وصناعة السفن وغيرها من الصناعات. كما ويأتي الإعلان عن تطوير عدد من الفرص الاستثمارية في قطاع الحديد والصلب في المملكة مع مستثمرين محليين ودوليين والتي تضمنت، 3 مشاريع في طور التطوير بقيمة تقارب 35 مليار ريال، وبطاقة إنتاجية إجمالية تبلغ 6.2 ملايين طن سنوياً، سيعزز من ارتفاع الطلب على الحديد، سيما وأن هذه المشاريع تتضمن إنشاء مجمع متكامل لإنتاج صفائح الحديد بطاقة إنتاجية تقدر ب 1.2 مليون طن سنويًا، تستهدف بناء السفن وأنابيب ومنصات النفط وخزانات النفط الضخمة. هذا بالإضافة إلى أن هناك مناقشات مع مستثمرين دوليين لإنشاء مجمع متكامل لإنتاج مسطحات الحديد، بطاقة إنتاجية تبلغ 4 ملايين طن سنوياً من الحديد المدرفل على الساخن، ومليون طن من الحديد المدرفل على البارد، إضافة إلى 200 ألف طن من صفائح الحديد المقصدر وغيرها. أخيراً وليس آخراً، إن الخطة الوطنية لهيكلة قطاع الحديد والصلب والتي تتضمن ل 41 توصية سَتُمكن قطاع الحديد من الاستدامة، سيما وأن الخطة عَمِلت على مراجعة وإقرار 16 سياسةً وتشريعًا، وتطوير لمفهوم أكاديمية للحديد ومركز للبحث والتطوير بغرض الرفع من كفاءة التشغيل في المصانع، ودعم زيادة التوظيف للسعوديين بكفاءة عالية.