أَكتب، أَمامي كتابُ وزارة الثقافة في المملكة العربية السعودية للعام 2019، وهو ثَبْتُ نشاطها الثَرّ لعامٍ واحد منذ إِنشائها، مع تطلُّعات إِلى آفاق ثقافية بعيدة. طبعًا، أَعرف مُوْقِنًا أَن الوزارة، منذ 2019 حتى اليوم، طالت أَشواطًا من تلك الآفاق. لكن دأْبي هنا أَن أَسترجع ما وجدْتُهُ من ديناميةٍ ناشطة وُلدَت بها الوزارة وانطلقَت في زخم دَؤُوب مثالي حتى باتت اليوم، وفي فترة وجيزة، صدارة الهيئات الثقافية ووزاراتها في العالم العربي. ويكون أَن تُعطى الوزارة مَن أَثبتَ جدارته في إِدارة الشأْن الثقافي، منذ تولَّى مسؤُولية "العُلا" (2017) فأَطلق فيها برنامجًا رنا إِليه العالَم باحتفالات سطعَت بها المملكة، فجعلَها شعلةَ جذْب ثقافية وسياحية على خارطة أَرقى البرامج الثقافية في أَعرق مدُن وعواصم العالم. فالأَمير بدر بن عبد الله بن محمد بن فرحان آل سعود - عدا تَوليه وزارة الثقافة قبل أَربع سنوات مثْمرة - يتولّى مسؤُولية الإِشراف على مجموعة تواكب تنفيذ رؤْية المملكة العربية السعودية 2030. وما لفَتَني في تصريح الأَمير لدى تَوَلّيه الوزارة، أَن يسعى بها إِلى "تعزيز الهُوية السعودية ودعم جهود الشباب في المجالات الإِبداعية". وهذا أَساسيٌّ في نهضة كل بلدٍ على سُلَّم الترقِّي والعالمية. فلا هُوية من دون ثقافة، ولا ثقافة من دون حفظ التراث وسُبُل المحافظة عليه، ثم نقْله إِلى الأَجيال الجديدة. من هنا فرادةُ شعار الوزارة "ثقافتُنا هُويتُنا". وهو هذا ما أَطلق دينامية الوزارة، فبعد صدور الأَمر الملَكي 90/أ (1 /4 / 1412)، صدر الأَمر الملَكي 217/أ (17 /9 / 1439- 2 /6 / 2018) بإِنشاء الوزارة وفصْلها عن وزارة الإِعلام، تثْبيتًا ما نصَّت عليه المادة 29 من الباب الخامس في النظام الملَكي أَن "ترعى الدولةُ العلوم والآداب والثقافة، وتُعنى بتشجيع البحث العلمي، وتصونَ التراث الإِسلامي والعربي، وتُسهمَ في الحضارة العربية والإِسلامية والإنسانية". وانطلقَت دينامية الوزارة الشابة، بقيادة وزيرها الشاب، في استحداث هيئات تنظِّم القطاع الثقافي بما يعزز حفظ الهُوية الوطنية، ويدعم الاقتصاد المحلي، ويرفُد قوة المملكة بتثبيت ثقافة الحوار والتواصل والتبادل، ويوثّق الارتباط ب"رؤْية المملكة 2030" في الفنون والثقافة، ووضع استراتيجية وطنية للثقافة، والمحافظة على تراث المملكة الإِسلامي والعربي، والعناية باللغة العربية، وإِنشاء هيئات ثقافية لإدارة القطاع الثقافي (نحو 16 قطاعًا) ووضع الهيكل التشغيلي للتنفيذ، وتأْمين التطلُّعات والرؤْية. إِنه برنامج عالمي دُوَلي جامع، على بنوده تقوم كلُّ نهضة في كل بلد يرنو إِلى جعل الثقافة خبزًا يوميًّا للمواطنين فلا تبقى ترفًا ثانويًّا يعاد إِليه في فراغ الوقت. ومنذ صدور "رؤْية المملكة 2030"، وأَنا أُتابع تنفيذ برنامجها المرحلي بندًا بندًا، فإذا هو في أَدقِّ مراحل التنفيذ مرحلةً بعد مرحلة، لأَن من طبيعة "الرؤْية" أَن تختطَّ لتنفيذها خارطةَ طريقٍ تتَّبعها خطوةً خطوة بفاعلية وجِدِّية ومسؤُولية عُليا. بعد خمسين عامًا (منذ 1972) من عملي اليومي على فصول ومواسم حقل الثقافة في لبنان، وتَمَرُّسي اليومي بالكتابة لها وعنها، أَعرف ما معنى أَن يقوم برنامج سعودي لوزارة سعودية بهذا الحجم، بهذا المستوى، بهذه التطلُّعات الراقية الرائية، وأَعرف معنى أَن تُحقِّق الثقافة هوية البلاد، وحجم العمل الدؤُوب المضْني المسؤُول لتحقيق هذه الهوية. ومن خبرتي في لبنان خمسين سنةً في حقل الثقافة، أَعي رأْي أَول وزير ثقافة في فرنسا (1958): الكاتب الخالد أَندريه مالرو في قوله: "الثقافةُ هي ما يبقى بعد أَن يزول كلُّ شيء". وأَرى، انطلاقًا من هذا القول، أَن الثقافة تحيا بحْفظ التراث، أَي بحفْظ الهوية، وهي أَغلى ما يُعطاه الإِنسان كي يُحقِّق إِنسانيته. من هنا إِعجابي ب"ورشة" الثقافة المستدامة في المملكة العربية السعودية.