تميّز عهد الملكة إليزابيث الثانية، والذي تجاوز مدة حكم جدتها الملكة فيكتوريا، بالإخلاص اللامتناهي؛ لدورها وعزيمتها الصلبة في تكريس حياتها للعرش ولشعبها، وظلت لدى البريطانيين الثابت الوحيد في عالم سريع التغيّرات والتقلّبات، حتى مع تراجع النفوذ البريطاني عالمياً، وبات معه دور المؤسسة الملكية مثار جدل. نجاح الملكة إليزابيث في الحفاظ على الملكية خلال هذه المتغيّرات العصيبة كان إنجازاً عظيماً، خصوصاً أن الكثير من المستعمرات البريطانية نالت استقلالها في خمسينات القرن الماضي، قبل أن تتكتل في كومنولث أممي واحد، وظن الكثيرون أن الكومنولث الجديد قادر على تشكيل قوة موازية للسوق الأوروبية، حتى أدار البريطانيون ظهورهم إلى حدٍّ ما للقارة العجوز، إلاّ أن أزمة قناة السويس في العام 1956م كشفت أن هذا الكومنولث يفتقر إلى الاستعداد للعمل الجماعي المنسق عند نشوب الأزمات. كان هذا التحوّل عصيباً على الملكة إليزابيث التي تميّز عهدها بالانضباط الدستوري، وقد ظلت إليزابيث الثانية تحظى باحترام ومحبة في قلوب الشعب البريطاني، وبينما بريطانيا تتلمس طريقها بمشقة نحو ما يضمر لها المستقبل، إلاّ أن الملكة إليزابيث ظلت مصدر طمأنينة واستقرار، وكانت تأخذ حقها في إسداء الرأي، وتولي اهتماماً خاصاً لدورها كرمز للمملكة المتحدة، وأثبتت دائماً أنها صلبة العزم، ولم تترك الأمور تخرج عن سيطرتها. لا شك في أن عهد الملكة إليزابيث شهد تراجع النفوذ البريطاني العالمي، وورث الملك تشارلز الثالث مملكة تواجه أزمة اجتماعية واقتصادية خطيرة، وانقساماً حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ورغبات الاستقلال في أيرلندا الشمالية وأسكوتلندا، واضطراباً سياسياً مع تولي رابع رئيس للوزراء السلطة خلال ست سنوات، إلاّ أن الملك تشارلز الثالث قادر على الحفاظ على ارتباط البريطانيين بالنظام الملكي، ذلك النظام الذي تمكنت الملكة إليزابيث الثانية من حماية هيبته.