بعد وصول المستشرق الإنجليزي داوتي إلى حائل عام 1878م وطلبه لقاء أمير الجبل، قابله سكرتير الأمير وطلب منه النهوض نحو ديوان الأمير عبر صالة طويلة تحت بدن القصر الصلصالي بعد الجدار الخارجي لسوق المسحب الشهير مرواً بذلك وفي المنتصف شاهد باباً مصفحاً بالحديد القوي يحرسه غلام شاب من الداخل وعند ما طرقوا الباب انفتح على فناء داخلي صغير حيث يجلس قليل من جنود الأمير القائمين على حراسته، وفي الجنوب توجد حجرة مروا عبرها ودخلوا باب ديوانه المفتوح في ضوء خافت لأن نوافذها حسب وصفه ليست سوى نوافذ بابية إلى الجو ولا تشاهد كما يقول ألواح واجهات زجاجية في كل نجد. الأمير محمد - الابن الأصغر لعبد الله بن رشيد أول أمير لشمر والأمير الرابع منذ أبيه – كان نصف مستلقٍ على طوله مستنداً على مرفقه، مع المساند تحته، بجانب موقده حيث كان يشتعل بنار الأغصان الصحراوية أمامه حياه داوتي بعبارة "السلام عليك" فرفع الأمير يده اليمنى إلى رأسه بنفس الطريقة التي تشاهد في البلدان الحدودية لكنه لم يرد عليه نطقاً. وهنا يعلق داوتي: إن رأيهم العدائي أن لا أحد من خارج الدين المنجي يجوز له أن ينطق بكلمة سلام الله "عليكم السلام". كان الأمير يربي خصلات الشعر المجدولة الطويلة التي يمتدح بسبب جمالها في الصحراء بوصفه شاباً أنيقاً - بشرته سمراء مصفرة أكثر من المألوف وحتى مائلة إلى الصفرة - هزيل اللحم غائر الخدين مثل النجديين - متوسط القامة له سحنة نجدية مسطحة قليلاً ونظرات محمد الصقرية مثل نظرات شخص نجا من مصائب العالم الكثيرة. "اجلس" أول كلمة قالها الأمير لداوتي - إن محمد الذي كان في ظل الأمير السابق كما يقول مرشداً للحج الفارسي كان قد زار مدن بلاد ما بين النهرين وعرف عادات الدول وعلى ذلك قاد رئيس الحرس داوتي إلى مقعد الغرباء في منتصف سجادة طويلة فرشت تحت الجدار الصلصالي بين مكانه والأمير جلس بعض الأشخاص المتكئين على الوسائد - لقد كان كما أخبر داوتي قريباً لابن رشيد بينهم عجوز مبجل وذو محيا لطيف. بادره الأمير: من أين تنحدر وما الغرض من رحلتك؟؟ أنا قادم من تيماء والحجر، جئت من سورية لزيارة مدائن صالح هكذا أجاب داوتي - رجل صدوق والله - رجل ثقة. هنف الشيخ العجوز هذا ليس مثله من جاء إلى هنا من الأجانب – لقد أخبرنا كل تلك الأشياء بصراحة. الأمير: والآن من تيماء حسناً. وماذا رأيت في تيماء - أي شيء؟؟ تيماء مكان مبهج من النخيل في جو جيد جداً. * اسمك؟ اسمي خليل "ها" وقد كنت مع البدو يا خليل - ما رأيك بالبدو؟ - لا يوجد أحد جيد منهم - مع أي بدو كنت؟ فذكر له بعضاً منهم وصفاتهم وطريقة تعاملهم، التقط الأمير كلماته نصف مستغرب ومبتسم كما يفعل العرب وكرر ما يقوله على الحضور. حسناً يا خليل وكيف تعامل معك البدو هل حلبوا لك وأظهروا حسن الضيافة؟ حليبهم قليل من أجل أنفسهم. تفكر الأمير وأطرق نظره لأنه سمع أنه قد تجول مع البدو ليشرب حليب النوق وبعد أسئلة متعددة عن بعض القبائل التي مر بها سأل: هل لديك أي شيء للبيع؟ معي أدوية أنا حكيم. أي أدوية كنكينا؟ (الكينا) علاج للملاريا وبعض الأمراض. لدي منه أفضل الأنواع. وماذا غير ذلك؟ لدي هذا وذاك لكن الأسماء كثيرة كذلك لدي بعض التشاي (الشاي) الجيد جداً سوف أقدمه لك هدية أيها الأمير. لدينا شاي هنا من بغداد.. لا.. لا.. لدينا ما يكفي. فيما بعد قيل لداوتي في مكان آخر: ما كان ليقبل شايك فابن رشيد لا يأكل أو يشرب أي شيء محضر إلا من قبل غلامه المملوك فهو يعيش في خوف دائم من أن يسمم. قال الأمير: حسناً وما الأمراض التي تشفيها؟ ألا يمكن أن تشفي المجنون الذي أصابه الجان في عقله؟ أجاب داوتي: المجنون هو مجنون - المجنون هو مجنون بطبيعته فعلاً. ردد الأمير هذه الحكمة من بعده. وهو كما قال يوافق برأسه بوقار. وقال للحاضرين هو صادق لقد قال الحقيقة وأجابه بعض الحاشية: لكن ثمة طريقة للشفاء إذا عرف طريقها الإنسان وهي منحة من الله للوصول إلى أي غاية (يتبع).. مدائن صالح من صورة المستشرقين لقصر برزان