بات من العبث أن يسأل المواطن العربي عن مستقبل سورية وحال شعبها، فالواضح أنه إلى المجهول، لكن هذا المجهول ليس كلياً، لأنه متعلق بالقوى الدولية والإقليمية المتحكّمة بسورية، والتي تبدو أنها تتنازع فيما بينها، ومن غرائبية هذا التنازع أنه أصبح متوازناً، ومتفاهماً عليه، رغم الاختلاف في التفاصيل، بينما هذه الغرائبية أصبحت مأساوية للشعب السوري المنكوب، لا علاقة له فيما حصل سوى خروجه بتظاهرات طالبت بالحرية، والعيش بأمان، ورفع الظلم عنه، بينما وجد النظام في هذه المطالب المحقة مأزقاً، ما سلّط الأجهزة الأمنية وميليشياته الطائفية على أنفاسه ومصدر رزقه. سورية باتت في مربع آخر، تعيش منذ سنوات خلت ولغاية الآن، ويبدو إلى أجل غير محدد، واحداً من أكثر الأوضاع غرائبية في العالم، حتى اقتحمت عالم الأضواء والشهرة، وأُدرِجت في جداول استديوهات العالم، وهذا (جاكي شان) في دمشق، يصور فيلمه الأخير في خرائب دمشق، خرائب أصبحت "فرجة سينمائية"، بصرف النظر مَنْ المسؤول عن هذا الدمار؟ وأين هم أصحاب الديار؟. العديد من المشكلات المعقدة في العالم كانت في طريقها إلى الحلّ، لكن توقف مسار حلّها، الأولوية للحرب الأوكرانية، والعالقة في نهاية المرحلة الأولى، بانتظار القفز إلى المرحلة التالية، بعدما تبيّن أن روسيا أخطأت في حساباتها، لم تحقق انتصاراً سريعاً كما كان مرسوماً، بل واجهت مقاومة أوكرانية شديدة ودعماً غربياً بالسلاح لم تتوقعه، وفقدت الآلاف من الجنود والمعدات، وعقوبات اقتصادية موجعة.. وفي المقابل، أخطأت الولاياتالمتحدة في حساباتها، حينما وضعت حلفاءها والعالم على فوهة بركان، جراء صعوبات اقتصادية هم بغنى عنها. فهذه الحرب، كما هو واضح، بين واشنطن وموسكو، لكن أوكرانيا ساحة القتال، والمسألة ما زالت في طور التجارب، وقد تطول لسنوات، بينما سورية ستنتظر طويلاً، كي يأتي دورها، إلا إذا كان هناك دور عربي فاعل يقدم مصلحة الشعب السوري على النظام الطائفي، وينقذ سورية من نفسها ومن ورطتها، ومن العقلية التي عمّقت أزمتها، ويبعد اللاعبين الذين اقتصرت أدوارهم على الحرب والدمار والأجندات الطائفية والعرقية والإرهابية. لا شك أن الدول العربية لم تترك سورية، ولن تتخلى عنها، بينما في المقابل رفض النظام السوري التعاون في إيجاد أيّ حلّ، حتى لو كان رمزياً، وكان ردّه بأن على العرب أن يعودوا إلى سورية، لا أن تعود سورية إليهم.